الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأمن القومي لفلسطين

نشر بتاريخ: 02/05/2024 ( آخر تحديث: 02/05/2024 الساعة: 13:27 )

الكاتب: هبة بيضون

إنّ لمفهوم الأمن القومي أهمية جوهرية لأيّ دولة، فهو يوفر الحاضنة المناسبة لتحقيق التنمية والاستقرار، وهو بمثابة الحصن المنيع الذي يحميها من التهديدات الداخلية والخارجية، من خلال وضع سياسات واستراتيجيات تشمل مختلف عناصره من الأمن الاجتماعي والسياسي والثقافي والبيئي والعسكري والاقتصادي والسيبراني.
ولكن، ماذا عن الأمن القومي لدولة تقع تحت نير الاحتلال؟ وهل يمكن لفلسطين أن تحافظ على أمنها القومي بجميع أبعاده وهي تفتقر إلى السيادة ولا تسيطر على مقدّراتها؟
للاحتلال تأثيرات سلبية على الأمن القومي الفلسطيني، فكون فلسطين فاقدة للسيادة على الأرض والمقدرات، وفاقدة السيطرة على المعابر، فإنّ هذا يجعلها مقيّدة بدولة الاحتلال، ويخلق بيئة مُضطربة، ويُعيق قدرتها على حماية حدودها من أيّ اعتداءات، ما يهدّد أمنها واستقرارها، ويعمل على انتشار الفوضى، ما يُهدّد حياة المدنيين ويُعيق عملية التنمية، وقد يشجع على أن تصبح الأراضي الفلسطينية بؤرة للنشاطات الإرهابية، ما يُشكل خطراً على الأمن القومي.
كما فرض الاحتلال على أن تصبح فلسطين ساحةً للتدخل الخارجي، وهذا يهدّد استقلالها وسيادتها، وبالتالي أمنها القومي، ناهيك عن نهب مواردها الطبيعية، خاصة المائية، وفرض قيود تجارية عليها، الأمر الذي أعاق نموها الاقتصادي وأدّى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي قد تؤدي الى زعزعة الاستقرار السياسي إذا ما نجحت الحكومة بمعالجتها، من خلال الاعتصامات وأعمال العنف التي قد تنشب نتيجة الاحتجاجات، ما يفقد الثقة بالحكومة. ما سبق قد يؤدّي الى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وقدرة فلسطين على تلبية احتياجات مواطنيها. كما تسيطر دولة الاحتلال على الموارد المالية لفلسطين، ومثال ذلك احتجازها لأموال المقاصة المستحقة لفلسطين، كل ذلك أثّر سلبياً على أمنها القومي من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
كما عملت دولة الاحتلال على مصادرة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وطمس ثقافة الشعب، من أجل فقدان التراث الثقافي، وفي محاولة منها إلى فقدان الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية التي ضربتها بتغذية الانقسام من أجل ضرب الأمن القومي الفلسطيني.
أمّا العدوان الدموي الأخير على غزة، والذي أدّى إلى انتشار الأمراض بين السكان، والى هجرة البعض، فهذا له أبعاد خطيرة على الأمن القومي الفلسطيني، الذي سيتكشف بعد فترة أنه فقد خبرات وكفاءات إما بالهجرة أو بالاستشهاد.
نجد أنّ الأمن القومي لفلسطين يتعرّض لتهديدات جسيمة نتيجة للاحتلال، ما جعلها تفقد السيطرة على بعض أو كل جوانب أمنها، لذا لا بد من وضع واتباع استراتيجيات معينة لمواجهة تلك التحدّيات وتعزيز الأمن القومي الفلسطيني، وتوحيد الجهود لتحقيق الحرية والاستقلال، ليُصبح الأمن القومي حقيقةً واقعةً وليس نظرياً.
بشكل عام، فإنّ من سبل تحقيق الأمن القومي للدولة هو بناء جيش قوي وتقويته، ولكن هذا لا ينطبق على فلسطين، خاصة أنّ أيّ حديث حول الدولة المستقلة، يتضمن أو يشترط بأن تكون منزوعة السلاح، وهذا ما لا أفهمه، فكيف نقبل هذا الشرط وكيف يمكن لدولة أن تحافظ على أمنها القومي دون أن يكون لها جيش وأسلحة رادعة!!.
ومن الاستراتيجيات المعزّزة للأمن القومي هي تحقيق التنمية الاقتصادية، وهذا يتطلب فصل الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بالسيطرة على مقدراتنا وتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما يجب وضع خطة استراتيجية تدريجية تنتهي بأن يكون هناك عملة فلسطينية، وإذا لا يمكن ذلك، عالأقل ألّا يكون الاقتصاد الفلسطيني مربوطاً بالشيكل الإسرائيلي، وما سبق يؤدّي إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وتعزيز العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر والبطالة والتضخم وتوفير فرص متساوية للجميع، كما لا بد من نشر الوعي بأهمية الأمن القومي عبر المؤسسات التعليمية المختلفة لمختلف المراحل، وعبر الوسائل الإعلامية، كما أنّ بناء علاقات قوية مع الدول الأخرى وتعزيز التعاون الدولي يعزّز من الأمن القومي الفلسطيني، وذلك من خلال تعزيز مكانة وصورة فلسطين على الساحة الدولية، الذي يعزّز بدوره التأثير الدولي المرجو لصالح فلسطين.
ختاماً أقول بأنّه لا يوجد أمن قومي حقيقي لفلسطين طالما هي تحت الاحتلال، وعلى فلسطين استعادة سيادتها وتحرّرها واستقلالها، ومن ثمّ بناء نظام سياسي ديمقراطي يناسبها، وتنمية اقتصادها بما يحقّق الرفاهية للمواطنين، ونشر الوعي وتعزيز ثقافة المواطنة وتعزيز التعاون الدولي، وهي شروط أساسية لتحقيق الأمن القومي.