الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

نتنياهو ليس على مسافة خطوة من الانتصار والجنائية الدولية ليست عل بعد خطوة من نتنياهو

نشر بتاريخ: 03/05/2024 ( آخر تحديث: 03/05/2024 الساعة: 11:32 )

الكاتب: أمير مخول

تسود حالة من الاضطراب الاعلامي الاسرائيلي بصدد ما يتم تناقله بأن المحكمة الجنائية الدولية المخولة بمحاكمة الافراد المتهمين بارتكاب جرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، على وشك اصدار مذكرات توقيف بحق القيادات السياسية والعسكرية بمن فيهم نتنياهو ووزير الامن غالنت ورئيس الاركان هاليفي.
قام نتنياهو بإطلاق العنان لوزرائه بإصدار التصريحات في هذا الصدد، ليقود هو بذاته الخطاب الذي يبدو مبرمجا باتهام الجنائية الدولية باللاسامية وبدعم الارهاب وفقا لكلامه، واطلق التهديدات بأنه في حال صدور مذكرات استدعاء ستقوم حكومته بمعاقبة السلطة الفلسطينية وحتى تقويضها تماما. وليطرح الموضوع مع الرئيس الامريكي ووزير خارجيته، ويطالب الولايات المتحدة بأن تلقي بوزنها لمنع قيام الجنائية الدولية باتخاذ مثل هذه الخطوات. والمعروف عن اجراءات هذه المحكمة بأن استصدار مذكرات توقيف تكون سرية ولا يتم الاعلان عنها على الملأ ويتم تبليغ الدول الاعضاء الموقعة على نظام روما الاساسي بصدورها, ومن الصعب للغاية توقع ان تقوم الجنائية باتخاذ خطوة كهذه وتطبيقها ضد نتنياهو. وفقا لتعريفها الرسمي "المحكمة هي محكمة الملاذ الأخير. تمارس المحاكم الوطنية التحقيق والادعاء في الجرائم المرتكبة في البلد. ولا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا لم تستطع دولة التحقيق والادعاء في جرائم أو لم تُرِد ذلك.". كما وتعتمد على الدول في القبض على المشتبه بهم وتسليمهم.
قراءة:
- يسعى نتنياهو وبكل قوة الى محورة جدول الاعمال الاسرائيلي والدولي في هذه المسألة محمولة عل رافعة "اللاسامية" في مواجهة اي تحد خارجي من اية جهة دولية، فالجنائية الدولية متهمة اسرائيلياً بمعاداة اليهود او اللاسامية، ورئيس كولومبيا الذي اعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل التي "تتزعمها حكومة ترتكب اعمال ابادة في غزة"، واعتبره وزير الخارجية كاتس بأنه "معادٍ للسامية وفي خدمة الوحوش"، كما بلورت حكومة نتنياهو سردية رافقتها حملة اعلامية قوية مفادها ان مظاهرات الطلاب في الجامعات الامريكية والغربية هي حراكات "لاسامية وداعمة للإرهاب."
- يبدو ان هناك مغالاة مصطنعة سعيا لبلورة رأي عام يتقبّل تسويق الاضطراب لدرجة الهوس من مسألة الجنائية الدولية، التي تتبجح حكومة نتنياهو بعلاقاتها القوية مع المدعي العام كريم خان والذي يحظى بانتقادات قوية من منظمات حقوق الانسان الفلسطينية والعربية والدولية. وهنا يطرح التساؤل لماذا يركز نتنياهو على موضوع الجنائية الدولية؟. من ناحية، توجد شكوى فلسطينية رسمية، وهناك تخوف حقيقي داخل قيادة الاركان والجيش من احتمالية صدور مذكرات استدعاء ضد ضباط وجنود وحصريا ممن قاموا بالتقاط الصور واشرطة الفيديو وهم ينسفون بيوتا ويهدون النسف لحبيباتهم او ينهبون محلات لألعاب الاطفال ويتلفون ما لا ينهبوه الخ...
- بتقديرنا ان نتنياهو يسعى الى الاستفادة القصوى من مساعيه لخلق رأي عام اسرائيلي وخارجي وحصريا امريكي وبالتحديد يهود الولايات المتحدة، بأن اسرائيل بصفتها "دولة اليهود" تواجه مدًّا من اللاسامية متعدد الجبهات ويقوده "الارهاب الفلسطيني" ضمن ما يسمى "الارهاب الدبلوماسي" والارهاب النفسي.
- كما وفي ذلك مسعى الى وقف التحولات بين اليهود في العالم الذين دفعت الحرب شرائح واسعة منهم الى فك الارتباط بالعقيدة الصهيونية وفكرة ان اسرائيل هي البيت القومي الحامي لليهود، ويساوي نتنياهو والخط السائد في اسرائيل بين مناهضة السياسيات الاسرائيلية من احتلال وعنصرية وجرائم حرب وبين الموقف من اليهود او اللاسامية، وهو ما رد عليه السناتور اليهودي الديانة بيرني ساندرز بأن "مناهضة اعمال الابادة ليست لا سامية ولا كراهية لليهود". من وظائف هذه الحملة ايضا وقف مد الهجرة اليهودية من اسرائيل وخلق انطباع بأن العالم يكرههم.
- سياسيا من وظائف هذه الحملة التي يقودها نتنياهو اسكات المعارضة لسياسته وخلق الانطباع بأن التهديد لليهود في اسرائيل والعالم هو تهديد وجودي على غرار سياسات النازية في النصف الاول من القرن الماضي. في المقابل هناك الكثير من الاصوات اليهودية تناوئ هذا الخطاب، وهو ما يحدث بين يهود الولايات المتحدة الذين يرفضون قطعيا وصم مظاهرات الطلاب باللاسامية، ويرون بأن استخدام خطاب اللاسامية من قبل الحكومة الاسرائيلية انما يلحق الضرر بيهود العالم المعنيين بالانعتاق في المجتمعات التي يعيشون فيها وهو ما يعرضهم للخطر وليس حركات الاحتجاج على الحرب والاحتلال.
- هناك من يعتبر خطاب اللاسامية من نتاج نتنياهو بانه ذروة الشعبوية السياسية الوظيفية، وكما يصفها يوسي كلاين فإن "سردية اللاسامية هذه تفرض الصمت على كل لسان وتلغي كل سؤال". ويضيف "بأن الدول المتحضرة تكافح اللاسامية ولا تستخدمها ذريعة سياسية لتبرير كل ممارسة قمعية وجريمة حرب."
- يبدو ان نتنياهو على قناعة بأن خطاب اللاسامية القائم على بث روح الاضطراب وترويع اليهود والمجتمع الدولي، انما يمنع مسبقا الانتقادات على عملية رفح التي يهدد بالبدء بها منذ اشهر، والتي وفقا له تجعل النصر مبينا بعد تحقيق اهداف الحرب فيها بما فيه "القضاء على حماس، تفكيكها وتصفية قياداتها، واعادة المحتجزين الاسرائيليين، ويأمل في ان تتيح له التهرب من استحقاقات الصفقة.
- نتنياهو بحاجة ايضا الى "تهديدات" سموتريتش وبن غفير بإسقاط الحكومة في حال وقّعت على صفقة، وذلك مقابل كابنيت الحرب الذي توجد فيه اغلبية واضحة لصالح الصفقة كأولية، من غالنت وغانتس وايزنكوت مدعومين بموقف المنظومات الامنية الجيش والموساد والشاباك ومن الحراك الشعبي المتعاظم حول عائلات الاسرى والمحتجزين والذي بدأت تسمع فيه لأول مرة مساء السبت 27/4 دعوات لوقف الحرب نهائيا، يضاف اليها بداية رفض من عشرات من جنود الاحتياط المثول لأوامر الاستدعاء لاجتياح رفح.
- التردد طويل الامد في اجتياح رفح هو نتاج الورطة الاستراتيجية الاسرائيلية وليس الضغوطات الدولية. تملك اسرائيل القدرة العسكرية على اجتياح رفح، مما قد يؤدي الى مجزرة كبرى تفوق ما حدث لحد الان ومضاعفة الثمن الفلسطيني الهائل، لكنها تكون مهزومة استراتيجيا.
للخلاصة:
إن الخيارات القائمة حاليا هي: اما التوقيع على صفقة تبادل الاسرى نتيجة الضغط الداخلي والخارجي، او البدء بعملية رفح رغم المخاطر الاستراتيجية، او عدم التوقيع على الصفقة وعدم البدء بعملية رفح، والتركيز على تعزيز الواقع الاحتلالي في شمال ووسط القطاع.

(مركز تقدم للسياسات)