الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

اقتحام كنيسة القيامة

نشر بتاريخ: 05/05/2024 ( آخر تحديث: 05/05/2024 الساعة: 14:28 )

الكاتب: هبة بيضون



إنّ اقتحام شرطة الاحتلال الصهيوني كنيسة القيامة خلال مراسم فيض النور يوم السبت الموافق الرابع من أيار 2024 هو جريمة مزدوجة وذات أبعاد ودلالات متعدّدة، ففي الوقت الذي اختار فيه أهلنا من المسيحيين على اقتصار سبت النور وعيد الفصح المجيد على ممارسة شعائرهم الدينية فقط، نظراً لما يحدث في غزة، وفي الوقت الذي تكون الأعياد فيه مبعث للمحبة والسلام، أبت إسرائيل إلّا أن تنغّص على المحتفلين هذا اليوم.

إنّ ممارسة الشعائر الدينية في المناسبات والأعياد هي حق لكل المؤمنيين من مسلمين ومسيحيين ويهود، إلّا أنّ دولة الاحتلال تعمّدت إفساد هذا النوع من السلام واستكثرت على المسيحيين الاحتفال المنقوص بأعيادهم المجيدة، وقامت بالتضييق عليهم بشتّى الوسائل، حيث فرضت الشرطة الإسرائيلية قيوداً صارمة على دخول المصلين المسيحيين إلى الكنيسة، بعد أن حاصرتها وحاصرت جميع المداخل إليها في البلدة القديمة، واقتحمت الكنيسة واعتدت على المؤمنين.

فعلى الرغم أنّ دولة الاحتلال تمارس ما تعتقده حقها الطبيعي كمحتل، وما يعكس أخلاقها التي اعتاد عليها الفلسطينيون، وإبداعاتها وتفنّنها في استفزاز مشاعر المؤمنين من مسلمين ومسيحيين، إلّا أنّ لهذا الاقتحام والتنغيص على المؤمنين دلالاته السياسية والدينية والاجتماعية المتعدّدة.

فمن ناحية دينية، يعتبر ما قامت به شرطة المحتل انتهاكاً صارخاً لحرمة المقدّسات الدينية، فكنيسة القيامة تعتبر أقدس مكان على الأرض لدى المسيحيين، وفي ذلك إهانةً لمشاعر ملايين المسيحيين حول العالم. كما أنّ فرض قيود على دخول المصلين إلى الكنيسة، ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، هو تضييق على وانتهاكاً صريحاً لحرية العبادة، والتي هي أحد أهم حقوق الإنسان الأساسية. كما يعتبر هذا الاقتحام استهدافاً رمزياً للعيد وله رمزية دينية عميقة، لما يمثله سبت النور، والذي هو من أهم الأعياد الدينية لدى المسيحيين، من قيمة ورمزية، وفي ذلك أيضاً محاولة لكسر إرادة المسيحيين وإضعاف إيمانهم.
أمّا سياسياً، ففي الوقت الذي يؤكّد اقتحام الكنيسة على استمرار سياسة دولة الاحتلال في السيطرة على المقدسات المسيحية في الأراضي الفلسطينية وفرض سيادتها عليها، في تحدٍّ للقانون الدولي، فإنه يُوجه رسالة تحدٍّ للمجتمع الدولي، ويُظهر استخفافها بالقوانين والمعاهدات الدولية، وإهمالها وعدم مبالاتها بردود الفعل الدولية، و يُسهم في تصعيد التوتر في المنطقة، وإشعال شعلة الصراع الديني.

وهنا لا بد لنا من النظر الى أهداف هذا الاقتحام من وجهة نظر إسرائيلية، حيث أنّ إسرائيل تراهن على أن يُسهم هذا الاقتحام في تعزيز الانقسام بين المسلمين والمسيحيين في الأراضي الفلسطينية، وخلق أجواء من الكراهية والعداء وذلك من خلال خلق شعور بالظلم لدى المسيحيين، وإثارة وإشعال مشاعر الغضب والكراهية لدى المسيحيين تجاه المسلمين وخلق حالة من الانقسام المجتمعي، في تجاهل تام للعلاقة الأخوية الوثيقة والمبنية على الثقة والمحبة والاحترام بين مسلمي ومسيحيّي فلسطين، الذين يدركون جميعاً بأنّ الفلسطيني مستهدف بغض النظر عن ديانته. كما أنّ إسرائيل تسعى إلى تغذية مشاعر الخوف والقلق لدى المسيحيين على أمنهم ومستقبلهم، في محاولة لإقناعهم ودفعهم إلى الهجرة.
إنّ اقتحام كنيسة القيامة عملاً مرفوضاً من جميع النواحي، ودلالاته خطيرة على على جميع المستويات، ويُمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي.