الكاتب:
برهان السعدي
بدأت إسرائيل بإخلاء المواطنين من المنطقة الشرقية لرفح، والسؤال المطروح: هل هي مناورة وتكتيك، أم هي مقدمة الاجتياح ومواصلة العدوان؟؟ وهل خطوة إسرائيل هذه في فراغ سياسي إقليمي ودولي؟! تساؤلات لا بد من طرقها لمعرفة موقف نتنياهو المتحكم بالقرار الإسرائيلي مسلحا بتحالفه مع عصابة عمادها سموتريتش وبن غفير، ومحكوما بآفاقه الشخصية وروايات توراتية، مقتنعا بأنه سيمد في عمر إسرائيل إلى ما بين عقد إلى ثلاثة عقود من الزمن، مدركا أن لعنة العقد السابع تلاحق وجود دولتهم، وهذا ما صرح به هو وغيره من قيادات إسرائيل.
لنكن على دراية أن الخلاف بين حكومة إسرائيل وإدارة البيت الأبيض لا تتمحور حول الخلاص من حكم حماس في غزة، بل متفقان على إنهاء حماس كدور فاعل في معادلة غزة أو فلسطين. فالخلاف إذن على طبيعة النتائج التي يمكن أن تتمخض عن اجتياح رفح، فكان الاشتراط الأمريكي التخفيف من حجم الخسائر في صفوف المدنيين.
وبعد أن وصل لإسرائيل أربعون ألف خيمة من الصين، كانت دولة الإمارات قد دفعت ثمنها، وكل خيمة تتسع لعشرين شخصا، فهي بالتالي تتسع لثماني مئة ألف من سكان المنطقة الشرقية لرفح، وهي الأقرب للحدود المصرية.
فبطلب حكومة الاحتلال من سكان المنطقة الشرقية لرفح، عبر مسالك آمنة وفي ساعات محددة للرحيل إلى منطقة المواصي شمال غرب خانيونس، تكون بذلك قد وجهت رسائل مزدوجة أو مركبة لكل من دول الإقليم والولايات المتحدة وأوروبا ولحركة حماس.
وهذه الرسائل ببساطة تقول للمصريين، لقد قمنا بإبعاد خطر تدفق السكان القريبين من الحدود المصرية، خشية أن يحطموا الأسوار الفاصلة، وهذا ما يمكن لإسرائيل عمله. وتخاطب إدارة البيت الأبيض، بأنها تبذل جهدها في تحقيق رغبتها بهذا الشأن، حيث استجابت إسرائيل للطلب الأمريكي بتقديم المساعدات للنازحين فقامت بتقديم المساعدات عبر معبر نتساريم، كما تقوم بتحقيق الطلب الثاني وهو إخلاء السكان لحماية المدنيين والتقليل من الخسائر في صفوفهم.
ورغم التقدم في المفاوضات وتقليص الفجوة بين مطالب حركة حماس وإسرائيل، إلا أن نتنياهو قام بتصريحاته لنسف عملية التفاوض، فهو يريد إعادة الأسرى الإسرائيليين دون أي ثمن مقابل، فتحقيق مطالب حركة حماس ولو بحدها الأدنى يعتبر نصر لها وهزيمة لإسرائيل. وفي هذا السياق جاءت تصريحات نتنياهو بالعبري وبوضوح أن الـ "غوييم" في الحرب الثانية كانوا في الطرف الآخر، مما أدى إلى المذبحة بحق اليهود. وإن إسرائيل لن تتلكأ في الدفاع عن نفسها لو اضطرت إلى الحرب لوحدها. وهو بهذه التصريحات يعني أن الغوييم هم الأمريكيون والأوروبيون الذين لم يقفوا مع اليهود في الحرب العالمية الثانية حسب مزاعمه الكاذبة. وهذه مواقف تتنكر لدعم أمريكا وأوروبا بإيجاد إسرائيل وأمنها وبقائها حتى الآن.
كما أن إسرائيل بخطوتها هذه ترد على وقف الإدارة الأمريكية شحن الذخيرة لها في وقت هي أكثر احتياجا لها، وعلى تصريحات بلينكين بأنه إذا دخلتم رفح، ستتخذ الولايات المتحدة قرارات أخرى ضد إسرائيل.
وبيت القصيد هنا، أن إسرائيل تقول لحماس عليك أن تطلقي سراح المحتجزين الإسرائيليين لديك، مقابل تأخير الاجتياح الإسرائيلي لرفح. والاجتياح واقع سواء كانت صفقة أم لم تكن.
مما جعل حركة حماس تسحب وفدها من القاهرة إلى الدوحة، ولحق بهم إلى الدوحة رئيس وكالة المخابرات الأمريكية سي آي إيه لممارسة الضغط على حماس بالإذعان للمطالب الإسرائيلية. فكان رد حماس على المطالب الإسرائيلية توجيه رسالة واضحة للإسرائيليين والأمريكان، بقصف دقيق وموجع لمقر القيادة الإسرائيلية في كرم أبو سالم، بقتل ثلاثة وجرح ما يزيد عن عشرة حسب اعتراف الجيش الإسرائيلي.
والسؤال المهم الذي يجب أن يعرفه الفلسطينيون والعرب مع الإسرائيليين، أنه بعد هذا الدمار الهائل في قطاع غزة، والذي لا يمكن ترميمه أو إعادة إعماره قبل عقدين من الزمن حسب التقديرات الأكثر تفاؤلا، هل يمكن الاستجابة للمطالب الإسرائيلية، وما جدوى ذلك غير قتل الروح المعنوية وتحطيم النفسية لدى الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وترسيخ الاحتلال، رغم ما يفقده يوميا من جنوده والنخبة من قياداته العسكرية. وهذا ما تدركه قيادة المقاومة في غزة. حيث ما يطرح عليها الآن إما ترحيل الفلسطينيين من رفح تحت القتل والدمار والقصف المتواصل وإما تسليم الأسرى الإسرائيليين لدى حماس ودون مقابل.
أما الجواب الذي يمكن لأي شخص لا يعرف العسكرية أو السياسة فإنه يختار المقاومة والمواجهة، وهكذا هي حروب الشعوب مع الدول الاستعمارية، وهكذا هي حرب التحرير الشعبية في جميع البلدان التي تحررت من قيود الاستعباد ونالت حريتها ومارست حق تقرير مصيرها وأقامت دولتها المستقلة وذات السيادة، بعد أن دمر الاستعمار كل ما من شأنه أن يحمل في طياته حياة للسكان الأصليين أصحاب البلاد.
باختصار، نتنياهو مصمم على مواصلة حربه وعدوانه، وسيعمل على مواصلة دمار ما لم يتم تدميره، والمقاومة متمسكة بحقها المشروع في المواجهة.