الكاتب:
فتحي أحمد
هجوم إسرائيل الأخير على مواقع عسكرية في أصفهان الإيرانية هل هو مسخرة كما نعته بن غفير زعيم القوة الدينية؟ ومما لا تجدر ملاحظته في هذا الصدد لا شيء يرضي اليمين المتطرف في إسرائيل إلا القضاء على كل ما يهدد امنهم على حد ما تصفه أديباتهم الأمنية، فرغم التوافق بين الأطراف المتنازعة إسرائيل وايران حول نوعية الضربة وحجمها، في ضوء ذلك يتضح أن هنالك حفنة من وزراء نتنياهو حتى هذه اللحظة لم يغوصوا في السياسة كما يجب، فهم بحاجة إلا إعادة تأهيل وارشاد، لقد كان رد نتنياهو على تصريح بن غفير اكثر حدة، عندما قال هذا تصرف غير مسؤول، بمعنى اخر " التزم الصمت" ليس كل شيء قنابل وطائرات وقتل ودمار، فهنالك أشياء تجلب بالدبلوماسية ولكن يبقى الردع العسكري والمحدد الأمني هما من يحتلان هرم المؤسسات الحاكمة في إسرائيل وفي نفس السياق قال لابيد:": لم يحدث من قبل أن ألحق وزير في مجلس الدفاع هذا القدر من الضرر بأمن البلاد وصورتها ومكانتها الدولية"..
لنرفع الستار عن المشهد، اليمين المتطرف في إسرائيل يريد ان يحقق ما لم تحققه حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ سبعة عقود ونيف في كبسة زر، وهذا لا يتوافق مع فلسفة إسرائيل الذي يعتبر النفس الطويل في تحقيق ما ترنو اليه من ابجديات لوائحها الداخلية، امام نتنياهو معضلة في ترويض اليمين الديني المتطرف، أي هنالك فجوة فكرية يصعب جسرها يمين علماني اقصى اليمين، ويمين ديني متطرف إلى ابعد الحدود، لا توجد مرتكزات ومحددات عامة بينهما وذلك في ضوء مجموعة من الأسباب منها، عدم الانسجام الفكري بين الطرفين، الضغوطات التي يتعرض لها نتنياهو من قبل هؤلاء الوزراء لا تتحملها الجبال، بجانب نية نتنياهو تقديم بعض التنازلات للفلسطينيين مقابل تطبيع كامل مع الدول العربية، وهذا الذي ترفضه الصهيونية الدينية، لكن بقي رئيس وزراء إسرائيل متمسك بتحالفه معهم لسبب واحد لا غير، وهو حماية نفسه من شبح المحاكم والسجن، فخياره الوحيد حتى اللحظة هؤلاء المتطرفين.
فرغم إن المجتمع الإسرائيلي يعيش في عصر الاستقطاب والانقسام، وخلافاته السياسية والاجتماعية باتت تنعكس على الجيش. ويعتقد أن الاتفاقيات الائتلافية السياسية تلحق الضرر بالجيش والمؤسسة العسكرية، وتخترق ما أسماه "الجدار الذي يشكله الضباط وقادة المؤسسة العسكرية والحصانة التي تسمح للإسرائيليين من جميع القطاعات والمعتقدات والأديان بالعمل والتناغم خلال الخدمة العسكرية.
ويغدو الفكرة المركزية في الأيديولوجية الصهيونية هي الامتزاج والتداخل الكامل بين القداسة والقومية، وهي تعبر عن نفسها في الإنسان والمكان والزمان، وأهم عناصرها الإنسان أي “الإنسان المقدس” أو “الشعب اليهودي المقدس”. وستجد أن رؤية اليهود بوصفهم شعباً مقدساً تتكرر في مقولات هرتزل “الليبرالي”، وبن جوريون العمالي الاشتراكي، وبورخوف الشيوعي، وإن كانت تتخفى دائماً تحت “ديباجات” مراوغة.
الرأي الذي أورده بن غوريون وجد صداه عند العديد من المفكرين اليهود المؤيدين للصهيونية، حيث رأى المفكر الصهيوني الروسي "بيرتيس سمولنسكين" أن الرؤية الصهيونية تتحدَّد بوصفها نوعا من الاستيطان لضمان الرزق والأمن ولا علاقة لها بالماشيح المخلص وهو ما وافقه فيه الصهيوني المجري "ماكس نوردو" الذي وصف الحركة بأنها حركة سياسية، وليست دينية صوفية، وأنها لا ترتبط بالرؤى الماشيحانية ولا تنتظر المعجزة، بل ترغب في إعداد طريق العودة بجهودها الخاصة، وهو ما يتسق تماما مع مقولة "هرتزل" في مذكراته: "إنني لا أخضع في مشروعي لأي دافع ديني بالنسبة إلى هرتزل ، الصهيونية هي حل عملي لمشكلة ملموسة لليهود في أوروبا في عصره ، وليست حركة فداء مسيانية ( تعتمد على ظهور المخلص في أخر الزمان ) لتحقيق خيال ديني عمره آلاف السنين.". أرض إسرائيل (بالنسبة له تسمى فلسطين) هي فقط أحد الخيارات لإقامة الاستيطان اليهودي، وليس الأرض المقدسة. فالعلاقة بين ما هو ديني وعلماني تقع بين مد وجزر، فتبدو المصلحة هي التي توجه سلوك النخبة العلمانية كما هو اليوم مع نتنياهو، لقد قالها هرتزل بصريح العبارة الدين هو وسيلتنا الوحيدة نحو إقامة الدولة الصهيونية وتجميع الشتات اليهودي من اقطار العالم، بعدما كانوا أقليات متناثرة هنا وهناك، باستثناء فئة قليلة كانت لها صولات وجولات في التجارة، إلا انهم بعد دخولهم فلسطين كغزاة اصبح لهم دولة، مثال اخر بن غريون وهو اول رئيس وزراء لإسرائيل يؤمن بما يسمى بالصهيونية العملية التي تسعى إلى إقامة الدولة الإسرائيلية وتدعيم أركانها بفرض الأمر الواقع، وقد قال عن الدين هو الطريق الوحيد ليضعنا على اعتاب الدولة اليهودية.
العودة إلى بدء ما من شك في أن بن غفير وسموتريتش يعتبران قرارات نتنياهو لا تلبي غريزة الاستحواذ على كل شيء، والوقت امامهم قصير ، فإذا لم تحقق الصهيونية الدينية ما تتطلع اليه اليوم ففرصة العودة إلى الحكم مرة أخرى يبقى ضئيل، ومن المستبعد تماما تغليب مصلحة نتنياهو على ما يجري داخل إسرائيل، أعتقد جازماً أن حكومته عمرها قصير قد بدأ ينفد استنادا لعدم الترابط الفكري بين مكونات الأحزاب في إسرائيل مع وجود مؤشرات بات علنياً بين اليهود العلمانيين والمتدينين، ويمكن تفسيره بأكثر دقة الصراع الشرس بين الأغلبية العلمانية والأقلية