الكاتب:
مروان اميل طوباسي .
اليوم التاسع من أيار تحل علينا الذكرى ٧٩ للأنتصار على النازية التي دفعت الشعوب الأوروبية ومقاومتها الوطنية ثمنا باهظاً من أرواح أبنائها ومقدراتها لأجل دفن هذا الوحش النازي الذي أطل برأسه قبل اكثر من ثمانون عاما لمعاداة الشعوب وعجلة تطورها الطبيعي .
فمن الدروس المستفادة من هذا الأنتصار للجيش الأحمر على النازية ودخوله برلين عام ١٩٤٥ ، إدراك حقيقة غير قابلة للنقاش ، وهي أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية هي مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ . فاليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل للمحافظة على نظام دولي متوازن يقوم على أساس المبادئ والقيم التي حققها الأنتصار على النازية ، ومن أهمها قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار مسار تطورها المستقل ، وعلى ضرورة العمل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب على قاعدة التضامن والمساواة بينها والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء التي يجب أن تكون أفضل في اطار مناهضة مفاهيم الإستعمار والفوقية العرقية أو الدينية وتعزيز الأمن والسِلم الدوليين والتقدم .
هذه القيم بالرغم من خروج بعض القوى عنها وبالمقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية التي صادرت مفاهيمها وخلقت سياسات الحروب اللاحقة بأوجه مختلفة في مناطق عدة بالعالم واعادت تحالفها مع مخلفات النازية الجديدة وقدمت من خلال الشراكة كاملة الأوجه مع دولة المشروع الأستيطاني الأحلالي التي اوجدتها هي بالشراكة مع بريطانيا ، وتحديدا بشراكة ما يجري اليوم معها من استهداف الكل الفلسطيني ومشروعه بالتحرر والاستقلال الوطني .
تلك القيم التي كان من المفترض أن تشكل الهيكل الأخلاقي والسياسي للنظام العالمي المعاصر التي تدعو لتوحيد جهود البشرية والتصدي للتهديدات الدولية وتتضمن جوابا نهائيا وأساسيا لكل الشعوب المحبة للسلام برفض آيديولوجيا النازية والفاشية وأي نظرية معادية للبشرية وقيم ومبادئ الانسانية ، وفي مقدمتها الحركة الصهيونية التي إدانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل تراجعها لاحقا عن قرار مساواتها بالعنصرية لظروف المتغيرات الدولية في حينه ولأسباب أخرى .
إن ما تقوم به قوى اليمين الشعبوي اليوم وحلفائها وفي مقدمتهم دولة الأحتلال إلأسرائيلي التي تقود هذا المحور العالمي يستند الى الأرتداد عن تلك النتائج والى مرتكزات فكرية تعبر عن روح نازية وفاشية جديدة تقوم على أسس الاستيطان والعنصرية والفوقية والتطرف القومي الديني وفق مفاهيم مزعومة تساندها قوى رأسمالية صهيونية تسعى لما حاولت أن تسعى له قبل ٧٩ عاما النازية ألالمانية وحلفائها من موسيليني وفرانكو وغيرهم لأضطهاد الشعوب التي لا تنبع من عرقهم المزعوم .
اليوم تجري محاولات مستمرة بأشكال جديدة لأضطهاد شعبنا من خلال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري الطوعي المخطط له من خلال الرصيف البحري واستمرار فرض نكبة مستمرة على شعبنا الفلسطيني التي تحل علينا ذكرى بداياتها كجريمة ضد الانسانية قبل ٧٦ عاما بعد أيام قليلة من خلال جعل غزة مكانا غير قابل للحياة . كل ذلك يجري اليوم بسياسات متخبطة ومتلعثمة للولايات المتحدة بل ومخادعة تستند الى الدعم الكامل ليس فقط لأمن اسرائيل بل الحفاظ على مكانتها الوظيفية وباستدامة احتلالها بعناوين مختلفة لذر الرماد بالعيون تهدف بنهاية اليوم الى دعم مشروعهم المشترك الذي أتى به هؤلاء المستوطنين من الدول التي تركوها دون حل المسألة اليهودية فيها قصداً في إطار مؤامرة الحركة الصهيونية العالمية مع النازية في حينه لأستغلال وعد ديني مزعوم لمشروع سياسي استعماري في أرضنا .
و بعد كل تلك العقود ما زالت قوى جديدة تمارس سياسات الهيمنة في هذا العالم لفرض الحفاظ على النظام الاحادي القطب في مواجهة بناء نظام تعددي ، نظام لا يخدم مبادئ السلم والأمن الدوليين ويساهم من خلال صمت تلك القوى او مشاركتها في جرائم الأحتلال بتشجيع استمرار ارتكابها وتعزيز مفهوم وجوهر دولة الأحتلال الأحلالي كنظام مارق فوق القانون الدولي وكنظام عنصري معاصر . أن عدم محاسبة هذا النظام يكرس وجود معاير متفاوته تكال بأكثر من مكيال أمام المجتمع الدولي وتُعبر عن مصالح تلك الدول .
ان الدروس والعبر من الأنتصار على النازية التي كلفت شعوب الأتحاد السوفيتي السابق لوحدها انذاك ما يقارب ٣٠ مليون انسان قاتلوا بايمان وارادة من أجل الدفاع عن وطنهم ودحر النازية ، وكلفت البشرية ملايين اضافية من البشر ، تؤشر على ضرورة توقف هذه الحروب الصغيرة والكبيرة ضد شعوب الأرض المستضعفة ، وأن تتوقف سلطة راس المال السياسي المتوحش من محاولات تكرار التاريخ أينما كان ، ومن انتاج أسلحة الدمار الشامل وإثارة بؤر التوتر على حساب قضايا الشعوب المقهورة ، وان تفكر البشرية بتعزيز قوى البناء وتعزيز منظمات السلم في العالم وكذلك مبادئ الحريات والعدالة والمساواة ، بدل ممارسة الاضطهاد بحق شعوب أخرى وممارسة الاحتلال والعنصرية .
لكن الايام القادمة لن تكون كما قبلها ، فالتاريخ لا يعرف السكون ، وعلى شعوب الأرض ان تكافح من أجل انتصار قضايا الإنسانية وقيمها في هذا الكون من اجل بناء عالم جديد يكون افضل مما كان او مما هو عليه الآن . فمن دروس الأنتصار على النازية بعد ثماني عقود ما يؤكد على عدم استطاعة اي قوة مهما بلغ جبروتها أن تقهر ارادة ومصير َومصالح الشعوب وان الشعوب وحقوقها ستنتصر اذا أدركت الرؤية والوحدة والأرادة والمواجهة بما فيها مختلف اشكال المقاومة ضد المُحتل .
وأكرر هنا ما قاله شاعرنا الراحل محمود درويش ؛
كل نهر ، وله نبع ومجرى وحياة يا صديقي .. أرضنا ليست بعاقر ، كل أرض ولها ميلادها ، وكل فجر وله موعد ثائر ..