الكاتب:
د. سهيل الأحمد
نجاحك يكون في بناء مفهوم العدل وتطبيقه في أعمالك وتصرفاتك.. وبمعرفة أن لك حقوقاً كما عليك واجبات.. أما أن تحرص على حقك وتترك واجباتك فهذا من الخلل الذي يقع فيه كثير من الناس.. وهو يظهر حجم الشقاء الذي نراه في واقعنا اليوم وذلك عندما غلب فيه الهوى والمصالح الوهمية على مبادئ العدل والموضوعية والخوف من أكل حقوق الناس بالباطل.. ولتعلم في هذا المقام أنه من رفقك بنفسك أن تعودها على الخير لأن الخير من العادات التي تنشأ معك في مراحل حياتك .. ومما يجب أن تعوّد نفسك عليه عادة الشكر والتفكّر في النِّعم، وأن تُبصر ما بين يديك ... فتحمد الله عليه، وترجوه الدوام والبركة.. ولتكن على يقين أن الله يزيد الشاكرين من فضله وكرمه.. فعود نفسك على ذلك... واعلم أن الذي قدر لك فهو لك لا ينازعك فيه غيرك.. وما ليس لك فاتركه ولا تشق نفسك في نواله.. فمَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ.. ولن يحكم أحد في ملك الله تعالى إلا بما اراد الله سبحانه.. فلا تقلق مما يدبر الناس لك ولغيرك من الخلق .. فمن يريد هو الله تعالى ومن يقرر هو سبحانه.. فإن تحقق تدبيرهم فاعلم أن أقصى ما يقدرون عليه في كل حالاتهم هو تنفيذ إرادة الله.. وأنت بدورك مؤمن بقضاء الله وقدره.. وتعلم أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.. فاحفظ الله يحفظك، ولتعلم أن إيصال الحقوق إلى أصحابها دلالة على العدل وصدق المعاملة وافضل الجود وحصول الكرم .. وليعلم المقتدر إن أحسن أفعاله العفو والإحسان.. ويجب على المرء في هذا المقام ألا ينس ان معاداة الناس والتجني عليهم قمة الجهل ودلالة على ضيق الأفق... ولا نغفل هنا كذلك عن تجنب الظلم والحذر من عواقبه .. فإنّه أكبر المعاصي، وخاصة إذا وقع ذلك على الضعيف لأن ظلمه أفحش انواع الظلم .. وإنّ الظّالم لمعاقب يوم القيامة بظلمه بين يدي من حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً وأمر فقال فلا تظالموا...
فإذا أحبّ الله عبداً ألهمه حسن العبادة.. ومن العبادة حسن الخلق وطيب القول والتواضع في الفعل.. وليحذر المرء من كلّ قول وفعل يؤدّي إلى فساد العمل وضياع الآخرة والدين. وليعلم الغافل أن ثلاثا يوجبن المحبّة وينشرن البركة ويزرعن الطمأنينة وراحة البال: الدّين، والتّواضع، والسّخاء...وإذا فقد المرء سلامة الصدر وحسن النوايا ظلم وبغى وغلب الهوى عليه فأساء لنفسه قبل أن يسيء لغيره .. وإن سوء الجوار والإساءة إلى الأبرار من أعظم اللّؤم وأقبح المعاملة... فقد يصيبك مثل ما أصابه وزيادة فاحمد الله تعالى واسأله العافية . ولا تغتر بحالك أو مقامك ولا تسخر أو تهزأ مما أصاب غيرك من الناس .وتذكر أن الملك يدعو فيقول ولك بمثل ذلك من الخير أو خلافه من البلاء .. واعلم أن جزاء فعلك من جنس عملك فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ..وفي الحديث: (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك.) ويقول أحد الصالحين: "إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به"