الكاتب:
برهان السعدي
من بديهيات القول أن العدو هو غاصب الأرض ومستلب الوطن، أو هو الاحتلال والاستعمار بكافة أشكاله، وهو بذلك ضمن معادلة الصراع يرقى إلى مستوى العدو المركزي، أما الخصوم الحزبيون وغيرهم ممن نختلف معهم داخل الوطن لا يمكن تصنيفهم كأعداء، فهم أبناء تربة الوطن، ما دام الاختلاف معهم على برامج اجتماعية أو سياسية أو تنافس تنظيمي من خلفية أيديولوجية أو غيرها. وممارسة الخلل في هذا السياق تكون له نواتج وخيمة على مستوى القضية الوطنية، وتحديدا تعامل بعض الكتاب والمحللين مع حماس كعدو يشكل خطرا على قضية فلسطين وشعبها.
ومعركة غزة جاءت كشافا للصديق والعدو، للعجز والتخاذل، ولأماكن القوة والفخار. ودللت على خلل في المفاهيم والنفسيات، وجميع ذلك بفعل ما أرساه الاحتلال من ثقافة الهزيمة والعجز والخواء وتلقفها كثيرون من الكتاب وأشباه المثقفين، ليمارسوا دورهم باستكمال أهداف الاحتلال الوحشي الهمجي.
فبعد العاشر من تشرين أول 2023 الذي شكل بطولة فلسطينية بامتياز، وكشفت سوءات الاحتلال وهشاشة أمنه وحطمت أسطورة ردعه الاستراتيجي، انبرى كثيرون من المتفيهقين في حملات التشكيك والاتهام، فيخرجون نعيبا ونعيقا ظنا منهم أنهم يعزفون سيمفونية غنائية يتراقصون على عصا المايسترو الأمريكي مشككين بالحقائق على الأرض، واستبدالها بروايات مزعومة تنضح خسة ونذالة، متأثرين برواية العدو بكل ما له علاقة بالمقاومة والصمود.
ومن هذه الكتابات والآراء الممجوجة أن أحداث العبور في السابع من تشرين كانت مسرحية بين إسرائيل والسنوار، وجاءت لخدمة المخطط الأمريكي - الإسرائيلي لضرب المصالح الصينية والروسية في المنطقة، وفرض حل سياسي برؤى أمريكية إسرائيلية تبدد الحلم الفلسطيني بالاستقلال والحرية وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحق تقرير المصير. وما زال هؤلاء يعيشون هذا الوهم لتضليل جماهير شعبنا الفلسطيني، منهم من انجر لسذاجة ومنهم من يعمل بمنهجية لخدمة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأن هذه الخطوة جاءت لتنفيذ أجندة إيران لخدمة مصالحها وانتشارها الشيعي في المنطقة. وأن هذه الحرب جاءت لمصالح حزبية وتقديرات خاطئة من قيادة حماس في غزة، وأن هذه الخطوة جاءت تلاعبا بمصير الشعب الفلسطيني، ولم تحسب نتائج تلك الخطوة من حيث ردة فعل العدو من تدمير وإبادة. وأن أهداف هذه الخطوة لا تتساوق مع النتائج، فهل تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية يعادل نتائج الدمار والقتل التي حصلت في غزة. وأن خطوة السابع من تشرين تشكل انفرادا في القرار وتضحية بمصالح الشعب الفلسطيني، وكأن الثورة بانطلاقتها أو في معاركها وعملياتها الاستراتيجية شاورت أحدا، أو حالت دون ردات فعل الاحتلال الوحشية في الأردن ولبنان ومثالنا عملية الساحل المعروفة بعملية دلال المغربي عام 1978 التي كانت سببا في اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان وعمل شريط أمني بقيادة سعد حداد. وتصريحات وآراء كثيرة تصب في خانة التشكيك والاتهام، والتقليل من آثار المقاومة على الاحتلال من حيث حجم الخسائر العسكرية في الميدان، التي أظهرت إسرائيل على حقيقتها بأنها كيان إرهابي فاشي متغطرس، يمارس جرائم الإبادة البشرية دون وازع، وأنه لا يمكن لإسرائيل العيش في المنطقة دون جسور جوية وبحرية لتعزيز مخزونها بالسلاح من طيران وصواريخ وقذائف وذخيرة وأنظمة معلوماتية.
وجاءت آراء المحللين المدعين التخصص بالشأن الإسرائيلي، ليظهروا أن الحكومة الإسرائيلية منقسمة حول مواصلة الحرب على غزة، وأن نتنياهو وزمرته أمثال المأفون سموتريتش والأحمق بن غفير الذي يلوك شأفة حقده هم المتطرفون الذين يريدون مواصلة الحرب واجتياح رفح، مقابل معتدلين أمثال بيني غانتس وغادي آيزنكوت اللذين لا يريدان مواصلة الحرب. وأن الولايات المتحدة تعتمد على هذين وأمثالهما في التأثير لمنع اجتياح رفح ووقف الحرب. وهذه آراء لا تدعمها حقيقة ما يجري داخل حكومة الحرب أو في المجتمع الإسرائيلي.
إن المجتمع الإسرائيلي بغالبيته مجتمع يميني فاشي، يعيش المغالاة في تطرفه ورغباته في مواصلة الحرب وقتل كل ما هو فلسطيني، سواء في غزة أو غيرها. وإن الإدارة الأمريكية لا تمانع باجتياح رفح، ولا بتحقيق أهداف إسرائيل سواء تحرير الأسرى الإسرائيليين ودون مقابل، والقضاء على حركة حماس، بمعنى القضاء على روح مقاومة الشعب الفلسطيني في جميع تواجده، وغزة مجرد نموذج.
وكلما زادت وتيرة المقاومة في تصديها لآلة الحرب الإسرائيلية، بل آلة الحرب الأمريكية بأيدٍ إسرائيلية، كلما ازدادت وتيرة الاتهام والنيل من حركة حماس ومقاومة شعبنا الفلسطيني في غزة وخارجها.
ويتبارى المحللون في فيهقتهم، ودس السم بالعسل، بتكرار سمفونية ممجوجة أن خطوة حماس أعادت القضية الفلسطينية سنوات إلى الوراء، وضيّعت حلم الدولة، لكن السؤال الموجه لهؤلاء وغيرهم، كيف ذلك؟؟!! ألم تعلن حكومة إسرائيل جهارا رفض حل الدولتين وزادت من حجم استيطانها ودعمها لاعتداءات المستوطنين؟؟!! وأنه لا مجال للقبول بدولة فلسطينية، ألم ترفض إسرائيل وقبل السابع من تشرين الاجتماع بمسؤولين فلسطينيين إلا لقضايا أمنية ولصالح أمن الاحتلال؟؟!! ألم تشكل إدارة البيت الأبيض حجر عثرة على قيام دولة فلسطينية، ووضعت ملف قضية فلسطين في الأدراج تعلوها طبقات من الغبار. وما الفيتو الأمريكي مؤخرا سوى إمعان في معاداة الولايات المتحدة لطموحات شعبنا بالتحرر والاستقلال وحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة. ألم تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا على دول لوقف دعم السلطة الفلسطينية، وعدم تعويضها بما اقتنصته إسرائيل فتسببت بعدم القدرة حتى على تسديد فاتورة الرواتب؟!!
المطلوب الآن رأس القضية الفلسطينية وليس رأس حماس، وما طرحهم القضاء على حماس إلا مدخلا لقتل الشعب الفلسطيني ومقاومته، والمدخل لذلك رفع الرايات البيضاء والاستسلام كي لا تقوم قائمة لأي فهم تحرري ينادي بكنس الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة.
نقول لتلك الأقلام والألسن، كفى تسويقا لأشخاصكم لتكونوا الخيار الإسرائيلي والأمريكي في قيادة شعب بمقاس حذاء نتنياهو حسب الوصفة الأمريكية، والذي يرفض لعنصريته حتى انتعالكم. فلا خيار إذن أمام الشعب الفلسطيني في غزة وبقية أرض فلسطين سوى التعبير عن رفضه للاحتلال وجميع أطروحات الاستسلام من خلال مقاومته. بجانب الحرص على وحدة شعبنا وقيادته الرافضة للاحتلال للالتقاء على برنامج يكفل التطويح بكل أوراق التصفية والاستسلام، وهذا خطاب موجه لقيادة حماس والجهاد والقيادة الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن يقف عثرة في تحقيق ذلك مهما كان مبرره يخدم فقط ترسيخ الاحتلال لوطننا وإنهاء تطلعات شعبنا بالحرية والاستقلال وحق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.