الكاتب:
بإمكان الجمهور الإسرائيلي العتيد أن يسجّل ممتنّا لوزيره الاشمّ ابن غفير كثيرا من الإنجازات العظيمة، طبعا بصفته وزيرا لما يسمّى وزارة الامن القومي، وهذا يعني أنه يقوم بهذه الإنجازات نيابة عن وتفويضا من حكومته الغرّاء، لذلك لا تستطيع حكومة الاحتلال القول بأن من ارتكب هذه الفعال مجنونا أو معتوها كما جرت العادة عندما يرتكب أحدهم جريمة فوق العادة فيرمونه بالجنون ويخرجون من تبعاتها سالمين غانمين كما فعلت عندما قتل المدعو "جولدشتاين" عشرات الراكعين الساجدين في صلاتهم في المسجد الابراهيمي في الخليل، رجل مصاب بلوثة من الجنون بينما من رعت هذا الرجل ووفّرت له كلّ سبل الجريمة من التعبئة العنصرية الحاقدة والتغطية السياسية الجاهزة لمثل هذه الجرائم، كلّ هذا يخرج سالما من الجريمة، اليوم مع ابن غفير الوزير لا تستطيع رميه بصفة الجنون لأنه ضمن فريق العقل المدبّر والمقرّر لهذه الحكومة النفيسة النقيّة الطاهرة من لوثة يسار أو علمانية أو تدابير تحسين الصورة وفنون تصديرها للناس.
افتتح يومه الاوّل لهذه الوزارة الكاسرة بزيارة سجن نفحة وهناك توعّد الاسرى بالانقضاض على ما سمّاه بحياة الرفاهية، اعتبر وجود أناس فلسطينيين يعيشون على قيد الاسر والاعتقال، ياكلون ويشربون ويتثاقفون انه رفاهية، ولم ير طبعا أشكال المعاناة التي تحويها تلك الحياة، لم ير الإهمال الطبي ومعاناة المرضى، لم ير المؤبدات ومن لهم عشرات السنين خلف القضبان، لم ير الاعتقال الإداري ومحاكم الزور والبهتان، ولم ير اعتقال الأطفال، لم ير ولم ير ولم ير، فقط رأى أناس يتنفّسون وتنبض ارواحهم بالأمل والحياة.
رأى أناسا من لحم وعظم ودم، فهتف من داخله مكنونه العنصري الحاقد، نستطيع أن نجعلهم عظما دون لحم، ولم لا نحوّلهم إلى هياكل عظمية، لم لا نجعلهم أقرب للموت أو على حافّته ونبعدهم كثيرا عن الحياة؟ بالإمكان تعليقهم بخيط واه بالحياة وكلّ ما يزيد عن ذلك هو رفاه وترف بالإمكان قطعه عنهم وتركهم كالذي تذروه رياح الموت يترقّبه في كلّ وقت وحين.
حاول فعل ذلك مباشرة فوقف الاسرى وقفتهم المعهودة حيث كان الشارع الفلسطيني متحفّزا، كانت الظروف جاهزة لقلب الطاولة في وجهه، تراجع ولاذ في صمته مترقّبا فرصة قادمة، جاءته فرصة السابع من أكتوبر، كشّر عن أنيابه وأخرج كلّ أحقاده، حدّد أهدافه جيّدا وفي غفلة انشغال الناس في مجازر غزّة التي ترتكبها حكومته وجيشه، فتح مجزرة في السجون يستهدف بها الاتي:
- كرامة وانسانيّة المعتقلين.
- صحتهم وأبدانهم.
- بيئة السجن وظروف حياتهم.
وأطلق العنان لعدة فرق متخصّصة في القمع والتنكيل، وجّه لهم تعليماته التي ملخّصها، افعلوا ما لا يخطر على قلب بشر، وسّعوا خيالكم الاجرامي بما يفوق خيال صانعي أفلام الرعب، أهينوهم إلى أبعد حدّ ممكن، جوّعوهم إلى أن يصلوا إلى حافّة الموت، حوّلوهم إلى هياكل عظميّة، حوّلوا السجون إلى جحيم بكلّ ما تعنيه الكلمة، جرّدوهم من كلّ ما يمكن أن يجعل من حياتهم ممكنة، لا تدعوا شيئا ذو بال إلا وجردوهم منه. أريد منكم أفعال ونتائج ولا أريد أيّ مشاعر انسانيّة أو رحمة بشرية، هؤلاء ليسوا بشرا فلا تعاملوهم كبشر، هؤلاء حيوانات وأموات ينبغي أن يكونوا في عداد الأموات منذ زمن بعيد، خسارة كبيرة انّهم لم يموتوا لغاية هذه الأيام. لماذا صبرنا عليهم كلّ هذه السنوات، لماذا عالجناهم وقدّمنا لهم الدواء، لا ينبغي للواحد منهم أن يموت موتا طبيعيا، عليه أن يموت بأيدينا يا سادة يا كرام.
أفهمتم، لا نريد مشاعر نريد نتائج، والمهمّة العاجلة التي أريد ان أراها بالعين المجرّدة أن نحوّلهم إلى هياكل عظمية ولا أريد أن تتجاوز هذه المهمّة ستة شهور على ابعد الأحوال.
وتلقّفت بالفعل فرق الموت في السجون هذه الارشادات وطبّقتها على أفضل ما يريد صاحبها، بالفعل اليوم كلّ من في السجون وبفضل سياسة تجويع ممنهجة وإهمال طبّي مبرمج وتعذيب نفسيّ مغمّس بكل أساليب القمع والاذلال، تحوّل أسرانا إلى هياكل عظمية أصبحوا عظام في وعاء من الجلد دون لحم أو عضل أو شحم. هذا ما أصاب الجسد بينما ما أصاب الروح فلا يعلمه إلا الله. هناك أمراض زرعت واوجاع يستحيل علاجها ودمار نفسي دمّر كثيرا وهتك مساحة واسعة من النسيج النفسي الذي اعتاد عليه أسرانا أن يكون قويّا ومتماسكا.
وفي ذات الوقت كان يصدر أوامره بالقتل الميداني لأسرى قطاع غزّة وفتح المقابر الجماعية لهم، كل اشكال التعذيب والقتل المريع مورست هناك، مثال أخير على ذلك كان باعتقال رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، أخصائي جراحة العظام والمفاصل الدقيقة والذي نذر نفسه لمرضاه وخاض حمام الدمّ مكافحا تحت ركام العظام المكسّرة، من مستشفى الشفاء إلى العودة إلى مستشفى كمال عدوان ومن هناك اعتقل بتهمة طبيب مناوب أربع وعشرين ساعة، وقد توفي بين أيديهم بعد رحلة طويلة من التعذيب والتنكيل في مسلخ "عوفر" الذي ذاق فيه أسرى غزّة على شكل الخصوص كلّ ألوان العذاب وبأوامر مباشرة من ابن غفير، هذا تهمته أنّه يعالج من كسّرت عظامهم بآلة تكسير العظام الصهيونية، لا ينبغي له أن يجبر كسر ضحاياهم، ومثله مئات من طواقم الإسعاف والطبّ والعلاج. فكم من ابن غفير يساوي هذا الطبيب الاخصائي العظيم؟ ذاك يقتل ويكسر وهذا يداوي ويجبر؟ فهل يساوي ألفا أم مليونا أم أنه لا مجال للمقارنة؟
المجزرة القائمة بصنع يدي هذا المأفون ابن غفير وحكومته، آن الأوان أن تواجه بغير طرقنا السابقة، هو غيّر ورفع درجة عدائه بهذه الطريقة المجنونة، لذلك علينا أن نغيّر ونستنفر كل إمكانيّاتنا خاصة على صعيد الملاحقة القانونية على الساحة الدولية وحشد كل من يقف مع قضيّتنا قانونيا وإعلاميا، سياسيّا ودبلوماسيّا، وان تشكّل الفرق القانونيّة فورا جنبا إلى جنب مع من تجنّد لحرب الإبادة الجماعية، علينا أن لا نسلّم الامر لما هو قادم بإذن الله من صفقة تبادل، بل نعمل قبل أن يتلاشى أسرانا في مرحلة ما بعد الهياكل العظمية.