الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

قيادة على مستوى اهمية المرحلة !!!

نشر بتاريخ: 18/05/2024 ( آخر تحديث: 18/05/2024 الساعة: 12:09 )

الكاتب: عوني المشني



الزمن في التاريخ ليس من ساعات ودقائق وثواني ، الزمن هنا من احداث ، احيانا عشرات السنوات يمر عليها التاريخ دون حساب ، واحيانا حدثا واحدا يأخذ مساحة زمنية لا تتعادى بضعة ساعات او يوم يكون في حساب التاريخ اهم من عشرات السنوات ويترك تأثيرا بما يغير مسار ومستقبل العالم او المنطقة .
نحن الفلسطينيون الان نمر بمرحلة تحسب بالثواني ، لكل لحظة مكان ومكانة في التاريخ ، وستبقى تأثيراتها لعشرات السنوات ، ولا يجوز لنا ان نتعاطى مع المرحلة هذه بمنطق لا يأخذ في الاعتبار اهميتها في التاريخ ، السابع من اكتوبر شكل لحظة فارقة في مسار شعبنا ، لا يهم ان كان قرارا خاطئاً او مصيبا ، ولا ما هي الاهداف الحقيقية التي من اجلها اقدمت حماس على تلك الخطوة ، فالتاريخ سيغفل كل هذا تماما ليذكرها ارتباطا بالنتائج التي ستؤدي اليها ، لن يتوقف لا عند الاسباب ولا تفاصيل الاحداث ولا مواقف القوى بل سيتجاوز ذلك إلى النتائج ، لهذا فدورنا المفترض ليس المراوحة بين الاسباب وتفاصيل الاحداث بل التأثير لتكون نتائج تلك الحرب معطى يساهم في اقترابنا من اهداف شعبنا العادلة . هنا يتحدد الدور التاريخي للقوى الفاعلة ، لا يضع لك احد علامة امتياز إذا اثبت ان تلك الحرب كانت ضرورية او غير ضرورية ، إذا كانت مغامرة او قرار صائب جاء في وقته ، إذا كانت مبررا لمذابح او ضرورة ردع للاحتلال ، بالتأكيد مثل هذا التقييم ضروري في مرحلة ما ، ويفترض ان يحصل لاستخلاص العبر والاستفادة من التجربة ورسم الاستراتيجيات المستقبلية ولكن هذا لا يدخل في الحسابات التاريخية .
النجاح في سبعة اكتوبر وما بعده يتخلص في اربعة قضايا ، افشال سياسات حسم الصراع الاسرائيلية ، افشال سياسات التهجير ، افشال سياسات تهميش الوضع الفلسطيني في الصراع ، ايصال الإسرائيليين لقناعة راسخة ان القوة لا تحقق امن ولا استقرار لاسرائيل وان تحقيق الحقوق الفلسطينية هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الامن والاستقرار لهم .
وباعتبار ان التهجير شرط مهم لحسم الصراع فان فشل التهجير حتى الان على الاقل قد وضع سياسات حسن الصراع امام مأزق استراتيجي ، اما الصراع الفلسطيني فقد قفز ليحتل قمة سلم الاولويات اقليميا ودوليا ولم يعد بالامكان تجاهله ، وأكثر من ذلك فقد اعتبر حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي معطى اساسي وضروري لتحقيق استقرار في الاقليم وربما في العالم ، اما وصول الاسرائيليين لقناعات بان القوة لا تحقق امنا وان المدخل للاستقرار هو تحقيق الحقوق الفلسطينية فهذا امر لا يأتي دفعة واحدة ، فالفشل العسكري الإسرائيلي في القطاع والأزمات المرتبطة بهذه الحرب مثل تهديد حزب الله وحصار اليمن البحري ،،،،، الخ ستؤدي إلى تحولات فكرية بدأت على الاقل إرهاصاتها مثل الاعتراف بالفشل في غزة وعدم وجود حلول عسكرية في الشمال . بعض مقالات الكتاب وتحليلات المفكرين والإعلامين تذهب بعيدا بهذا الاتجاه لكن من المبكر القول ان هذا الاتجاه يشكل اتجاها وازنا في إسرائيل وان كانت الأمور تسير ببطئ بهذا الاتجاه .
لا يعني مطلقا هذا ان الأمر انتهى عند هذا الوضع ، فلا زالت المعركة متواصلة ، وقد يكون هناك تطورات قد تعصف بتلك النتائج ، وهذا يستدعي فعل فلسطيني مكثف وعلى كل المستويات ، جهد في المعركة وأعتقد ان المؤشرات في الأسبوع الأخير تقول ان الفلسطينيون يقاتلون بصلابة وإدراك لهذه الحقائق ، من ناحية اخرى يحتاج الفلسطينيين لجهد على مستويات اخرى ، المستوى السياسي اقليميا ودوليا ، ومستوى العلاقات الفلسطينية الداخلية والقيادة السياسية ، ربما الجهد على المستوى السياسي اقليميا وعربيا يأتي اليوم في سياق إدارة سياسية للمعركة ، ولكن في وقت لاحق سيكون منحى العمل السياسي باتجاهات مختلفة تتمحور نحو انهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق الفلسطينية ، اما على صعيد البنية القيادية الفلسطينية فان ما كان قبل الحرب لا يمكن ان يصلح لما بعد هذه الحرب ، وقد فشل المستوى القيادي الفلسطيني حتى الان على الاقل في التعاطي مع هذه الحرب بما يليق بها كحدث تاريخي مفصلي ، وقد تراوح الاداء القيادي الفلسطيني بين من اختار ان ينتظر النتائج ليحدد دوره وموقفه من جهة وبين من استعجل النتائج وراح يذهب إلى افتراضات مغلوطة حول التعاطي مع هذه الحرب ، وكلا الاتجاهين لم يضع جهدا حقيقيا للتأثير في النتائج . ان قيادة واداء المقاومة منفصل إلى حد كبير في الاداء عن المستوى السياسي واحيانا تجد انهما يتناقضان ، وهذا اكثر عامل يضعف من فرص النجاح . ومع ذلك فان هذه الحرب التي تركت تأثيرات عميقة على العالم ، كل العالم وبنسب متفاوته بالتأكيد سيكون لها تأثير جوهري على شكل ومضمون القيادة السياسية الفلسطينية في مستقبل الايام وقد يكون او يفترض ان يكون تأثيرا جوهريا يمس البنية والشخوص والاداء . وبدون الغوص في التنبؤات فان الحرب ستفرز قياداتها ، وليس على اصحاب مدرسة الانتظار السلبي سوى الابقاء على سلبيتهم امام بروز مستوى قيادي جديد تتناسب طموحاته وأداءه مع مستوى تضحيات شعبنا وصموده ، وهذا ليس من باب الرغبة او التنجيم بل هو قانون طبيعي ففي علم السياسة فان من يصنع الحدث هو من يقود او سيقود مستقبلا ، اما الركون لمقولات تتهافت بان امريكيا هي من يقرر وهي من تصنع القيادات وهي من تحدد مستقبل الاقليم !!!! هذا كان صحيحا عندما لم تكن لقوى المقاومة دور فاعل وعندما كان الشعوب في سبات ، وعندما كانت الدعاية الاسرائيلية قادرة على تشكيل الوعي العالمي ، الان انتهت هذه الحالة او طريقها للنهاية ، الان العالم والمنطقة يتحرر تدريجيا من هذه الهيمنة وتستطيع الشعوب نسبيا فرض ارادتها ، افريقيا تشكل نموذج وقبلها امريكياً اللاتينية والان في الشرق الأوسط وان كان بداية متواضعة .
نحن على عتبات شرق اوسط جديد ومختلف ولكن ليس على الطريقة الأمريكية ، سبعة اكتوبر وما بعدها وضعنا على بعد خطوة من التغيير الاستراتيجي ، والايام والأشهر القادمة حبلى بالتطورات .