الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
الاستمرار في حرب لا نهاية لها ولا افق تحولت بفعل الخسائر و تاكل الدعم و الخلافات العلنية بين اطراف حكومة نتنياهو الى خيار لا يدعمه سوى نتنياهو نفسه و وزيرين يؤمنان بان مستقبلهما السياسي و الاديولوجي معلق باستمرار هذه الحرب و توسيعها ايضاً، فالحرب التي يقودها نتنياهو بروحٍ انتقامية ستوفر له الوقت الكافي -ربما- لتحقيق انجاز ما كاعتقال او قتل قادة من الصف الاول في حركة حماس او تحرير محتجزين اسرائيليين او -ربما ايضاً- تستسلم المقاومة بسبب الضغط و الحصار و نقص المؤن و الذخائر، و بالمناسبة، فان نتنياهو يملك كل ما يريد لاطالة امد هذه الحرب، فهناك التغطية الغربية الاستعمارية و هناك الذخائر و هناك اللوبيات الضخمة الجاهزة لتبرير و تبييض و انقاذ اسرائيل من العقاب او النقد، اذ تملك هذه اللوبيات ما يكفي من ادوات الاغتيال المعنوي و السياسي و الجسدي ايضاً لتكميم الافواه واجهاض المواقف.
و لكن الاستمرار في الحرب انتظاراً لحدوث مفاجاة او معجزة ما خيار عبثي و جنوني ايضاً، فالاستمرار في الحرب يجر معه الفشل و الانكشاف و المساءلة و تشقق الحكومة او تفككها او قد يقود الاستمرار في الحرب الى اضراب شامل في الحياة العامة الاسرائيلية يؤدي الى الدعوة الى انتخابات مبكرة.
الاستمرار في الحرب ليس خياراً سهلاً او مضموناً، فليس هذه ضمانة بان هذه الحرب ستنهي حركة حماس و ليس هناك ضمانة بان الاستمرار في الحرب سيضاعف من انجازاتها، بالعكس من ذلك، اذ كلما طالت هذه الحرب كلما تعقد المشهد تماماً، مع الادارة الامريكية رغم ضعفها و ارتباكها و تناقضها، و مع مصر رغم رغبة مصر العلنية بعدم التصعيد و محاولة احتواء الموقف، و مع الاتحاد الاوروبي الذي يسارع بعض اعضائه الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية و مع الجمهور الاسرائيلي الذي بدأت قطاعات جديدة تقتنع ان نتنياهو ياخذهم رهائن لرؤيته و سياسته و اطماعه، و الاكثر اهمية فان هذه الحكومة ذاتها تشهد مواجهات عنيفة و علنية بين غالانت و الذي يعتقد ان ما تم انجازه في غزة يكفي لايقاف هذه الحرب، و بين نتنياهو و شركاه الذين يعتقدون ان الحرب لم تنته بعد و انها قد تحقق اكثر مما تم تحقيقه.
و برأيي، فان نتنياهو -الذي يندفع الى هذه الحرب لاهداف متعددة منها شخصية و دينية حقاً- لا يستطيع ان يوقف هذه الحرب الا بسقوطه المدوي، ايقاف هذه الحرب و الدخول في تسوية مع المقاومة او مع غيرها هو انهيار لكل ما ادعاه نتنياهو و روج له، خصوصاً ان هذا الرجل يريد ان يجعل من حربه هذه اعادة صياغة للتسوية مع الشعب الفلسطيني، فهو يريد القضاء على حركة حماس امنياً و سياسياً و يريد ان ينهي حركة فتح او تفكيكها تماماً من خلال محاصرة السلطة الفلسطينية او اهمالها، ليس هذا فقط و انما يريد هذا المتطرف ان يفصل بين قطاع غزة و بين الضفة و القدس المحتلتين فصلاً سياسياً و ادارياً و ديموغرافياً، نتنياهو يريد من خلال هذه الحرب ان يسقط حل الدولتين ليطرح حل الدول الفلسطينية المتعددة و الجماعات الفلسطينية المتفرقة، و هذا الحل الذي يحلم به نتنياهو لن يتحقق بسبب الرفض الفلسطيني اولا و بسبب الشروط العربية التي لن توافق على تمويل او تغطية هذا الحل الذي لا يؤدي الا الى المزيد من الفوضى و الاضطراب، و لن يتحقق مثل هذا الحل بسبب الرؤى الغربية الامريكية و الاوروبية لان مثل هذا الحل سيجعل هذا الدول تدفع ثمن استمرار الصراع و ربما بطريقة اشد.
كيف يمكن لنتنياهو ان يخرج من هذا المأزق؟! فاما الاستمرار في الحرب و مأزق عدم الرغبة في النزول عن الشجرة ؟! خصوصاً ان المقاومة اعلنت انها مستمرة في المواجهة مهما كلف ذلك من ثمن.
هل من الممكن ان تفتح الولايات المتحدة بالتعاون مع اصدقائها في المنطقة ممر خروج امن لنتنياهو يجنبه الحرج او السقوط ؟! و هل من الممكن ان تقرر اسرائيل فجاة – بسبب الخسائر و الخلافات المتصاعدة في وجهات النظر و ضغط الجمهور- باعادة الانتشار في قطاع غزة دون الاتفاق مع اي طرف ؟!
و هذا ما فعلته اسرائيل اكثر من مرة و من الممكن ان تفعله، و قد تبرر ذلك بالقول انها انجزت المهمة بنسبة تسعين بالمئة و انها يمكن لها ان تتعايش مع تهديد العشرة بالمئة المتبقية.
الخيار الصعب جداً و الذي لم نشر اليه حتى هذه اللحظة هو خيار التسوية السياسية التي تقوم على اقامة دولة فلسطينية حرة و كريمة ضمن ترتيبات اقليمية و دولية، و هذا من اصعب خيارات اسرائيل التي لم تعد ترى في الاعتراف بالشعب الفلسطيني و حقوقه خياراً ابداً.