الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

رحيل هادئ- لصاحب حياة صاخبة

نشر بتاريخ: 20/05/2024 ( آخر تحديث: 20/05/2024 الساعة: 11:59 )

الكاتب: وليد الشيخ

جودات ( محمد )يونس العيسة

يترك جودات أحمد يونس ( أبو رامي) ، الحياة في الرصيفة ، ويذهب الى بيته الأخير، الأبدي. الرجل الذي أمضى كل حياته مؤمناً بفكرة هجرها أصحابها، وظل وفياً لها حتى آخر يوم في حياته ، أحد القلائل من الذين يقال عنهم (أمنوا بالفكرة وأخلصوا لها ).

كنت قد زرته في كانون ثاني 2024، في بيته.

سألته كالعادة، عن البدايات، سنوات الخمسينيات في مخيم الدهيشة، حين كان يؤسس مع آخرين الخلايا الشيوعية الأولى في حارات المخيم، قال كلاماً قليلاً كعادته، عن دوره، وكلاماً كثيراً عن الآخرين.

بتواضع آسر ، واصل الرجل النحيل سرد ذكريات بعيدة عن سنوات إختفائه من الملاحقة التي طاردته عمراً طويلاً، الى حين القاء القبض عليه، ليمضي أكثر من ثماني سنوات في سجن الجفر الصحراوي.

في زيارته اليتيمة آواسط التسعينيات الى فلسطين، ذهب الى زكريا، ليقطع (عود تين) ويعود به الى الرصيفة، في محاولة لإستعادة رائحة البلد التي هجر منها فتياً، وظلت حاضرة ومتقدة في ذهن الشيوعي الذي جاب العالم، مؤمناً وواثقاً بأن العدالة الاجتماعية ستسود آخيراً كحتمية آمن بها، وقرر أن يمضي عمره مناضلاً من أجل تحقيقها.

قادني في جولة متعثرة الى حديقة بيته في الرصيفة، حيث الأشجار والنباتات التي لم يعد قادراً على رعايتها، لمحته يتحسس الأغصان كأنه يعتذر منها على عدم قدرته على مواصلة العناية بها، هو الذي واظب على القيام بواجباته دون كلل، يشعر الآن أنه غير قادر على رعاية شجرة تكاد تموت ، لأن عمره ذهب في الزمن الصعب.

لم أكن اعلم أنه ذهب الى بيروت عام 1970مع قوات الأنصار ، ليتدرب هناك. وأن واجبات اخرى قادته الى يوغسلافيا،وموسكو ، ومدن اخرى مليئة بالمناجل والشواكيش.

سيتذكر، تحت الحاح مني، خطبته الشهيرة في ساحة المهد عند استشهاد عبد الله تايه ، ونقل جثمانه الى مقبرة بيت لحم في تظاهرة حاشدة ستصبح جزءا من التاريخ النضالي للفلسطينيين.

يذهب الآن، جودات أحمد يونس حيث شقيقاته الثلاث، جميلة، وهنيه، وهند ، الشقيقات اللواتي حرسنه بإدعيات طويلة، ورافقنه الى مراكز التوقيف والإعتقال، ليجتمع بهن أخيراً، في عالم آخر، دون مذكرات قبض أو تفتيش.

مات العم جودات، بعيداً عن زكريا، دون ضجيج. أغلق باب الحياة خلفه، وحتى اللحظة الأخيرة، كان يرى أن أفول شمس الإشتراكية مؤقت، وأن الحتمية التاريخية التي آمن بها، ستأتي، بثوب جديد، ولو بعد حين.