الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

من باع طوق الياسمين !؟

نشر بتاريخ: 21/05/2024 ( آخر تحديث: 21/05/2024 الساعة: 10:03 )

الكاتب:

عبده حقي

في عام 2011، هبت رياح التغيير على دول شمال أفريقيا منذ أن أطاح الشعب التونسي، التواق إلى الحرية والكرامة، بالنظام الاستبدادي لزين العابدين بن علي في انتفاضة سلمية عرفت بثورة الياسمين. وقد أدى هذا إلى إشعال فتيل الربيع العربي، من خلال موجة من الاحتجاجات للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة العربية.

في أعقاب هذه الثورة المفاجئة والصادمة، التي فجرها الشاب محمد البوعزيزي بعد أن أضرم النار في جسده شرعت تونس في رحلة مغامرة لكنها مفعمة بالأمل نحو حياة ديمقراطية حقيقية متفردة في العالم العربي . وقد لعبت اللجنة الرباعية للحوار الوطني، وهي ائتلاف من منظمات المجتمع المدني، دوراً محورياً في تسهيل عملية الانتقال السلمي لسلطة الحكم. ولجهودها في إقامة ديمقراطية دستورية تضمن الحقوق الأساسية، وقد حصلت هذه اللجنة الرباعية على جائزة نوبل للسلام في عام 2015.

لقد كانت هذه مناسبة بالغة الأهمية، ليس لتونس فحسب، بل للعالم العربي بأكمله. لقد كان ذلك بمثابة اعتراف المجتمع الدولي بالمسار الحقوقي المتميز الذي تسلكه تونس - وهو التحول الديمقراطي الذي تم تحقيقه على أرض الواقع من خلال الحوار والتسوية، وليس العنف.

ومع ذلك، فإن السنوات التي تلت ذلك رسمت صورة أكثر قتامة وتعقيدا وغموضا حيث واجهت التجربة الديمقراطية في تونس تحديات كبيرة، بلغت ذروتها في تراجع مثير للقلق في مجال حقوق الإنسان في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد.

لقد حطمت ثورة الياسمين وهم الاستقرار في ظل نظام بن علي. ومع ذلك، فإن الطريق إلى الديمقراطية كان محفوفا باللايقين. وتنافست القوى الإسلامية والعلمانية على السلطة، وقد ظل خطر عدم الاستقرار السياسي يلوح في الأفق.

في هذه البيئة المتوترة ظهرت اللجنة الرباعية للحوار الوطني. وقد لعبت هذه اللجنة الرباعية، التي تتألف من الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (UTICA)، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان (LTDH)، ونقابة المحامين التونسية، دور الوسيط الحاسم.

ومن خلال سلسلة من المفاوضات التي يسرتها اللجنة الرباعية، توصلت الفصائل السياسية المتنافسة إلى اتفاق تسوية في عام 2013. وقد مهد هذا الطريق لوضع دستور جديد يكرس المبادئ الديمقراطية والحقوق الأساسية. كانت انتخابات 2014 بمثابة أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ تونس، مما زاد من ترسيخ التحول الديمقراطي.

وكانت جائزة نوبل للسلام في عام 2015 بمثابة اعتراف بالدور المحوري الذي لعبته اللجنة الرباعية في تعزيز الحوار وإنشاء إطار للديمقراطية. لقد كانت بمثابة منارة أمل، ليس فقط لتونس، بل للمنطقة الأوسع التي تعاني من آثار الربيع العربي.

ورغم الإشادة بمسار تونس نحو الديمقراطية، إلا أن الطريق لم يكن خالياً من التحديات. فقد تميزت فترة ما بعد الثورة بالركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، والاضطرابات الاجتماعية. وظل التطرف الإسلامي يشكل تهديدا، وأدى الاستقطاب السياسي إلى إعاقة التقدم.

وقد غذت هذه التحديات الإحباط العام تجاه المؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدني . وأصبح المنهج القائم على الإجماع، الذي كان مصدر قوة في السابق، يُنظر إليه على أنه مصدر لعدم الكفاءة. وتزايدت المشاعر الشعبوية، وأصبح العديد من التونسيين يتوقون إلى زعيم قوي قادر على تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي.

في ظل هذه الخلفية، صعد نجم قيس سعيد، أستاذ القانون السابق ذو الانتماء السياسي المستقل، كفائز مفاجئ في الانتخابات الرئاسية لعام 2019. قام سعيد بحملته الانتخابية على أساس برنامج مناهض للمؤسسة، ووعد بتطهير تونس من مخلفات الفساد.

ولاقى وضعه كوجه سياسي جديد صدى لدى العديد من التونسيين الذين خاب أملهم في النخبة السياسية. لكن أسلوب سعيد في الحكم أثار المخاوف منذ البداية. وأظهر ميلاً نحو الاستبداد، وعزز سلطته في الرئاسة وقام بتهميش البرلمان.

وفي يوليوز 2021، أقال الرئيس سعيد رئيس الوزراء، وعلق عمل البرلمان، وتولى صلاحيات تنفيذية واسعة. وقد قوبلت هذه الإجراءات باحتجاجات واسعة النطاق واتهامات بالانقلاب على روح ثورة الياسمين.

ومنذ ذلك الحين، تدهورت حالة حقوق الإنسان في تونس بشكل ملحوظ حيث تتعرض حرية التعبير للهجوم، وحيث يواجه الصحفيون والناشطون الحقوقيون الاعتقال والمضايقات. وتم قمع الاحتجاجات السلمية، واستخدمت أحيانا القوة المفرطة لتفريق المظاهرات.

وقد تم تقويض استقلال القضاء بسبب إقالة قيس سعيد للقضاة الذين انتقدوا ممارساته. وتعرضت منظمات المجتمع المدني لضغوط متزايدة، مع تقييد أنشطتها وتهديد تمويلها.

إن رحلة تونس من نشوة ومعجزة ثورة الياسمين إلى التراجع الحالي للمبادئ الديمقراطية تشكل إنذارا تحذيريا. لقد كانت جائزة نوبل للسلام لعام 2015 بمثابة شهادة على قوة الحوار والتسوية في بناء مستقبل ديمقراطي.

ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يثير مخاوف جدية بشأن المسار الديمقراطي في تونس. ويبقى أن نرى ما إذا كانت تونس قادرة على العودة إلى مسار ترسيخ الديمقراطية أو الاستسلام لمزيد من الاستبداد.