الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحكومة الفلسطينية ووقائع المرحلة

نشر بتاريخ: 29/05/2024 ( آخر تحديث: 29/05/2024 الساعة: 09:28 )

الكاتب:

يونس العموري

مما لاشك فيه ان واقع الحكومة الفلسطينية والتي يقودها د. محمد مصطفى ، تعيش الكثير من الأزمات والتحديات التي تفرض نفسها جراء حقيقة الوقائع الفلسطينية، ووقائع المرحلة من حيث تداعيات حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني ، وجملة التطورات التي تخضع لها الساحة الفلسطينية وقوانين اللعبة السياسية، في ظل المستجدات الراهنة وعلى مختلف المستويات والصعد، الأمر الذي انعكس وما زال ينعكس على أي اداء حكومي رسمي في فلسطين في ظل اختلاط المعايير وانقلابها وتقلبها على القوانين والدساتير والأنظمة واللوائح، التي من شأنها تنظيم العمل الحكومي وطبائعه ، والسؤال المؤجل الذي بحاجة الى إجابة جريئة يتمثل بحقيقة وشكل حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية ، فهل هي حكومة تكنوقراط وخبراء كما يُقال ..؟؟ ام لابد ان تكون حكومة سياسية ..؟؟

ولأن الساحة الفلسطينية مختلفة ولا تخضع لأي من القوانين ومواد ودهاليز الدساتير والأنظمة فمن الطبيعي ان تأتي حكومة محمد مصطفى الحالية مختلفة وغير خاضعة حتى للمنطق الدستوري او القانوني الشرعي .. بقدر خضوعها لضرورات المرحلة ومتطلبات العملية الواقعية وتلبية شروط كبار الدول إقليميا ودوليا ، على حد تعبير الواقعية السياسية وأنصارها الجدد في ميدان العمل والفعل السياسي الراهن على الساحة الفلسطينية والعربية بشكل عام، بحيث أن الواقع ومتطلباته واحتياجات الفعل السياسي الإقليمي وارتباطاته الدولية وخلق التوازنات وفقا لرغبات النظام العالمي وانظمته وقوانينه وتماشيا وإرادة قادة وسادة المحاور المسيطرة في المنطقة وشبكات التحالفات وتعقيداتها باتت من تفرض بثقلها وبظلها على الشأن المحلي لدول واقطار المنطقة ، الا ان هذه الضرورات قد تكون فارضة لنفسها فيما سبق الا انه وفي معطيات وافرازات الحرب الراهنة فاعتقد بات من الضروري تغيير هذه الحكومة بحيث ان المطلوب حكومة وطنية سياسية من الطراز الاول لا حكومة ذات طابع تكنوقراطي غير فصائلية .. حيث ان التحدي الأكبر يتمثل بالتصدي لمخططات تل ابيب في انهاء وتصفية المشروع الوطني الذي اضحى هلامي الشكل وغير واضح المعالم.

وعلى هذا الأساس نرى أن حكومة د. محمد مصطفى قد جاءت خارجة عن النص وعن القانون وبالتالي عن منطق تشكيل الحكومات وفقا لرغبات الإجماع الوطني الذي يعكس نفسه من خلال الخارطة الوجودية للقوى والتيارات السياسية الفلسطينية على ساحة الفعل، وبالتالي جاءت هذه الحكومة لتعكس جوهر أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية على مختلف مشاربها وتنوعاتها وبصرف النظر عن حجومها، الأمر الذي استدعى أن تتشكل حكومة السلطة على النحو الذي نشهد بالظرف الراهن، والتي لا تعكس بالضرورة حقيقة وقائع الحركة الوطنية، وإنما تعكس بالأساس جوهر الانهيار الذي تعاني منه هذه الحركة وبالتالي عدم مقدرتها على الاطلاع بمسؤولياتها التاريخية من جهة، وعدم مقدرتها على انتاج نظام سياسي توافقي قادر على قيادة الشأن المحلي الداخلي بكل اتصالاته الإقليمية والدولية، مما يعني أن النظام السياسي الفلسطيني مصاب بنوع من التقهقر بكافة جوانبه، وهو ما يفسر استمرار الحكومة العقيمة بالظرف الراهن وبرأيي هذا يعود لسبب بسيط والذي يتمثل بعدم جهوزية البديل، وإلا فإن الفراغ سيكون سيد الموقف طالما أن قوانين اللعبة السياسية المُهجنة بالتجربة السلطوية الفلسطينية تحتم وجود حكومة وزارية تعتلي منصة النظام السياسي الفلسطيني، وهو الأمر الذي أعتقد أنه سائر عكس حركة التاريخ ذاتها على اعتبار ان الإجابة على السؤال الأكبر حتى تاريخه غير قائمة والمتمثل بتوصيف طبيعة المرحلة التي تعبرها القضية الفلسطينية وهل ما زالت بمرحلة التحرر الوطني ام انها في طور عملية بناء الدولة وتطوير أداءها..؟؟

وبكل الأحوال فإن الإجابة على هكذا تساؤل سيحل العديد من المعضلات بالنظام السياسي الفلسطيني برمته... وهو الأكثر الحاحا بالظرف الراهن ومن الضروري أن تقف أركان الحركة الوطنية وقفة جادة وشجاعة للإجابة على هذا التساؤل الذي سيحدد حقيقة وجوهر المصير الوطني برمته... وإلا فسيكون الفراغ والصراع سيد الموقف في ظل وهم معايشة السلطة وقوانين تكويناتها التي لا تخفى على أحد حقائق مساراتها بالظرف الراهن ومتطلبات وجودها كما هي التحديات التي تفرض نفسها على طريق استكمال المشروع الوطني بالسيادة وتقرير المصير وبناء الدولة في ظل الأجندة للسياسة الأمريكية وتحالفاتها للمنطقة عموما.

إن الحكومة الفلسطينية الحالية تعيش الكثير من التناقضات والتجاذبات ما بينها وبين التكوينات الأساسية للشعب الفلسطيني وهي النتيجة الطبيعية للحالة الشعبوية الفلسطينية السائدة حيث وقائع الشرذمة والإنقسام وتراجع الحركة الوطنية الفلسطينية بعناوينها الكلاسيكية عن مسؤولياتها، وبالأخص عدم إمساكها بزمام المبادرة ذات الطابع التأثيري اطرادا بالشكل الإيجابي بالحياة السياسية على مختلف مستوياتها وأصعدتها،

إن النتيجة الطبيعية لمثل هذه الحالة المتناقضة هو نشوء الكثير من الأزمات ما بين الحكومة مجتمعة وما بين تكوينات الحركة الوطنية وعلى وجه التحديد ما بين حركة فتح وما بين الحكومة على إعتبار أن هذه الحكومة تحكم وتمارس عملها بجيش غير تابع لها.. والمقصود هنا أركان ومفاصل القوى الأمنية العاملة في الأراضي الفلسطينية وأركان ومفاصل الوزارات التي من المفترض انها تعمل تحت إمرة وقيادة وزرائها، إلا أن الواقع وللأسف عكس ذلك تماما.

ولعل هذه الأزمات تتلخص بالاتي:

• أزمة جوهرية حول حقيقة منهج عمل الحكومة ورؤيتها للأمور من خلال المناظير الوطنية الكلاسيكية والتي تحكم مسار العمل الفلسطيني الرسمي وتحديد طبيعة سلم الأولويات والاهتمامات على رأس العمل الحكومي.

• قوة هذه الحكومة بضعفها الذاتي.. بمعنى أن هذه الحكومة تعلم تماما ان لا بديل عنها بالظرف الراهن وان لا مجال لإجراء أي من التغيرات الجوهرية على اركانها جراء الأزمات القانونية والدستورية التي تعيشها الحياة السياسية الفلسطينية بالعمق.. وبالتالي فإن بقاءها كما هي عليه حاليا يمنحها نوعا من الاستقرار مما يسهم في تأزيم وتعميق الشرخ بينها وما بين القوى السياسية الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح.

• عدم تسليم حركة فتح ببقاء وامتداد عمر هذه الحكومة مع ما تمثل، وهي بذات الوقت، اي حركة فتح، تشكل السياج الحامي للحكومة ... مما خلق ويخلق تناقضا في التعاطي معها ومع مقراراتها.

• نجاح الحكومة في توفير الرواتب والميزانيات الأولية للسلطة لا يمكن ان يوفر لها الغطاء الشعبي والجماهيري مما يزيد في حجم الهوة ما بينها وما بين الجمهور عموما.... على اعتبار ان النظرة الجماهيرية لهذه الحكومة انها حكومة الإرادة الأمريكية.

• التعاطي مع الحكومة بوصفها تمثل السياسية الليبرالية الجديدة على الساحة الفلسطينية مما أعطى ايحاء ان التيار الليبرالي ينمو وبقوة في الوسط الفلسطيني وهو المتقاطع الى حد كبير مع ما يسمى بأنصار الواقعية السياسية الجديدة المعتمد على التحالفات الأمريكية ومحاورها بالمنطقة... وهو التيار المتصادم مع التيار الوطني وتكويناته عموما.