الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

وقفة ليست متأخرة مع خطاب بايدن

نشر بتاريخ: 04/06/2024 ( آخر تحديث: 04/06/2024 الساعة: 23:04 )

الكاتب:

برهان السعدي

حمل خطاب الرئيس الأمريكي الشيء الكثير، وتناوله محللون كثيرون سواء في الفضائيات، أو مواقع إخبارية ومنصات تفاعل اجتماعي، وهذا أمر طبيعي. لكنني سأتناوله من عدة زوايا.

خطاب الرئيس الأمريكي حسبما وصفه هو عرض لمقترح إسرائيلي، وما دام كذلك، فالأولى أن يعرض أفكاره مقدم المقترح، لكن العادة تقتضي أن يكون تقديم المقترح في هذه الحالة للوسطاء، ليتم عرضه على الطرف الآخر في النزاع أو الصراع. والأولى أيضا، أن يعرض في وسائل الإعلام بعد نقاش الوسطاء وعرضه على الأطراف المتنازعة أو المتصارعة. وتقديم الرئيس الأمريكي للمقترح الإسرائيلي يثير تساؤلات.

فالمستمع للخطاب يدرك أن الرئيس الأمريكي يحاول أن يقنع مقدم المقترح بمقترحه، أي أن الرئيس بايدن في عرضه يحاول إقناع حكومة إسرائيل بمقترحها الذي قدمته. فهل فعلا حكومة إسرائيل هي التي قدمت المقترح بتفصيلاته ومراحله الثلاث؟! بالتأكيد لو لم تكن حكومة إسرائيل هي التي قدمت المقترح، لما قام رئيس بحجم الولايات المتحدة بادعاء ذلك.

كان بإمكان وزير خارجية الولايات المتحدة أو رئيس مجلس أمنها القومي أن يعرض ذلك، ويسهب في الوصف، لكن تقديم الرئيس الأمريكي بنفسه هذا المقترح يحمل دلالات غير عادية، فهو دلالة أن هذا المقترح تتبناه الولايات المتحدة، فيكسبه أهمية من حيث الرعاية والتنفيذ، وهو بذلك يقطع الطريق أمام نتنياهو رئيس حكومة الحرب على غزة، فيحول بينه وبين مماطلته في التعامل مع المقترحات ليبقي نيران حربه مفتوحة على غزة بأسلحة أمريكية.

والرئيس الأمريكي حمل خطابه رسائل واضحة وإيجابية للجميع، فأكد لإسرائيل وحكومتها أن ليس بالإمكان تحقيق النصر المطلق، أي ليس بالإمكان هزيمة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس بجناحها العسكري، إنما يمكن تخفيض منسوب قدراتها القتالية، وأكد أن هذا الأمر قد تحقق، لذا على حكومة إسرائيل الموافقة على هذه الصفقة التي تحقق إطلاق سراح أسراها ومختطفيها الذين هم في أسر المقاومة في غزة، مشيرا إلى وجود من يرفض هذه الصفقة من داخل حكومة إسرائيل، وهذه رسالة لنتنياهو بأن عليه عدم الانصياع لتهديدات الثنائي المجبول بالحقد والكراهية للإنسانية، وممارسة القتل والإبادة دون تردد.

ورسالة أخرى موجهة لحركة حماس وفصائل المقاومة في غزة، تشكل إقرارا بوجودها، وعدم تمكن آلة الحرب المستخدمة في غزة رغم الجسور المفتوحة جوا وبحرا من الولايات المتحدة وأوروبا على كسر إرادة مقاومة الشعب الفلسطيني في قتاله والتمترس خلف أهدافه، وصموده الأسطوري ورفضه للتهجير. وهذا بدا جليا في عدم طرحه موضوع ما بعد اليوم الأول، مؤكدا على أن المرحلة الثانية تبدأ بمفاوضات مع حركة حماس في ظل وقف مستدام للحرب على غزة.

وهناك رسائل أخرى في الخطاب للشعب الأمريكي وقواه المنتفضة ضد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، ورسائل إلى أوروبا وغيرها من دول العالم بأن الولايات المتحدة تقف مع وقف الحرب على غزة، لتبييض صورة إدارته التي اتخذت حق النقض "الفيتو" أكثر من مرة في رفض إدانة العدوان الإسرائيلي ورفض قرار يدعو لوقف الحرب على غزة من قبل مجلس الأمن.

وموقف المقاومة التي عبرت عنه حركة حماس إزاء خطاب بايدن إيجابي، فهو لا يختلف عن موافقتها على مقترحات سابقة رفضتها إسرائيل تحت دعاوى يمكن حصرها فقط بألاعيب لبقاء آلة حربه تقتل كل ما من شأنه أن يوحي بوجود حياة في غزة. لكن الذي يحكم القرار في حركة حماس هم قادتها في غزة الذي قادوا المقاومة وكسروا إرادة الاحتلال بتحقيق أهدافه، فليس من السهولة بمكان أن يعلنوا موقفهم المؤيد فعلا لهذه المبادرة دون موقف واضح من قبل حكومة الاحتلال بأنها مع بنود المبادرة التي أعلنها الرئيس الأمريكي، وتحديدا ببندين مهمين هما وقف دائم للحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي كاملا من قطاع غزة. فهم يدركون سيناريوهات حكومة الاحتلال التي من شأنها إعادة أسراهم إلى عائلاتهم ضمن مرحلة من الهدوء تستمر أسابيع، ثم تعود تلك الحكومة بآلة حربها لتحقيق الهدف الثاني حسب أمنيات الأرعن بن غفير والحاقد سموتريتش، وليظهر نتنياهو بأنه حقق هدفه الأول بإعادة الأسرى والمختطفين.

إن خطاب بايدن بما تضمنه يشكل فرصة لوقف العدوان، وتبادل الأسرى، والانطلاق لآفاق حل سياسي عنوانه دولة فلسطينية مستقلة متواصلة الجغرافيا بين أرجائها في الضفة وقطاع غزة والقدس. وهذا غير مطروح في مبادرة الرئيس الأمريكي، كما لم يُطرح شيء آخر سواء بالقبول بالوضع السابق للحرب على غزة، أو أشكال أخرى.

إن الطرح بأن نتياهو يخشى من الثنائي الحاقد بتفاوت على شعبنا الفلسطيني في حكومته غير صحيح، فالمعارضة وعلى رأسها لبيد طرح مررا أن يشكل شبكة أمان لحكومته في حال تهديد بعض الوزراء بحل الحكومة. مسألة ثانية، وهل فعلا يمكن أن ينسحب بن غفير أو سموتريتش من الحكومة، وهذه فرصتهم الوحيدة للتعبير عن أحقادهم ومصادرة الأرض الفلسطينية وتعزيز الاستيطان بتوسعته أفقيا وعموديا. وإن خرجا فعلا من الحكومة للأسباب المطروحة، فإن الحكومة ستبقى بدعم المعارضة، ولن يكون لهذين الوزيرين أي قوة تساعدهما في تحقيق أهدافهما ضد الشعب الفلسطيني. ويمكن أن يطالبا أو يتلقيا عرضا من نتياهو بتوسيع صلاحياتهما في الضفة الغربية. فالأمر لديهما سيان، سواء قاموا ببرامجهم القاتلة والمدمرة لشعبنا في الضفة أو في غزة، المهم عندهم ممارسة الإرهاب بحق شعبنا الفلسطيني.

وفي جميع الأحوال، وكي يبقى الموقف الفلسطيني قويا، وكي لا تذهب هدرا دماء الشهداء والبطولات الواضحة، وكي لا يكون فرصة أما القوى اللاعبة في منطقتنا للانتقاص من حقوق شعبنا الوطنية بالاستقلال وإقامة الدولة، وكي لا يكون مجال للتلاعب بورقة الانقسام على الساحة الفلسطينية، يجب الآن ترتيب البيت الفلسطيني بتحقيق لو الحد الأدنى من وحدة الموقف الفلسطيني ووحدة القيادة الفلسطينية، ودون ذلك سيكون إمعان بانتقاص حقوق شعبنا الوطنية، مع فسح المجال أما اختراق الأعداء أو من والاهم للساحة الفلسطينية تحت مسميات عديدة.