الكاتب:
هبه بيضون
عند الحديث عن أيّ مشروع هدنة أو صفقة، يكون الحديث عن ضرورة عودة النازحين إلى الأماكن التي هجّروا منها، في تغافل تام لحقيقة أنّ معظم المنازل التي هجّر منها أصحابها أصبحت ركاماً فوق ركام، وفقد الناس كل ما يملكون، وهؤلاء النازحون الذين يسكنون في الخيام الآن، لم يعد لهم بيتاً يأويهم، وأصبحت رائحة الركام والدم في كل مكان، وفقدت غزة معالمها بحيث أصبح من الصعب التعرف على الشارع، أو البيت أو أيّ معلم من معالمها، إلا ما رحم ربي، بعد تسوية بعض المناطق بالأرض.
في حال كان هناك صفقة واشتملت على هذا البند، أين سيعود المهجرون؟ وكيف سيتعرف كل واحد منهم على ركام منزله؟ ولو نجحوا في التعرف على المكان، أين سيعيشون وكيف سينامون وكيف ستعود حياتهم إلى ما كانت عليه؟؟؟
إنّ الحديث عن عودة النازحين الفورية هو أمر غير واقعي في ظل الدمار الرهيب الذي لحق بغزة، وليكن واقعياً، لا بد من بحثه بمزيد من التفاصيل، ووضع شروط على ذلك البند المتعلق بالعودة لتصبح ممكنة.
إنّ إعادة توطين النازحين في غزة بعد انتهاء العدوان يمثل تحدّياً هائلاً يتطلب تضافر الجهود من قبل المجتمع الدولي، ولا بد من الاتفاق على فتح الآفاق لذلك في أيّ صفقة مقبلة، حيث تتطلب عملية إعادة التوطين ضمان توافر العديد من المتطلبات الأساسية لخلق بيئة آمنة ومستقرة تسمح للعائدين بإعادة بناء حياتهم، ومن هذه المتطلبات الأساسية إعادة بناء المنازل والبنية التحتية، وهذا يجب أن يبدأ العمل عليه فوراً، بمعنى أنّ خطط إعادة الإعمار طويلة المدى لن تحقّق ذلك فوراً ليتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم، لذا لا بد من البدء مباشرة برفع الركام فوراً كجزء من الصفقة، ومن ثمّ بتقييم الأضرار والعمل على المنازل المدمرة أو المتضررة، سواء بترميمها أو بإعادة بنائها، أو أن يتم وضع بيوت جاهزة أو كرافانات تأوي السكان لحين إعادة الإعمار، على أن يكون تأمين تلك البيوت من مسؤولية إسرائيل التي سبّبت ذلك الدمار، فهناك البيوت والكرافانات التي يمكن استيرادها من بعض الدول المتقدمة في هذا المجال، والتي تلبّي احتياجات العائلات، كل حسب عدد أفراد العائلة، وأن يتم تزويد تلك البيوت بالأساسيات التي تمكن العائلات من العيش فيها.
ومن المتطلبات الأساسية العاجلة لعودة النازحين هو إصلاح البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي، لتوفير الحد الأدنى من العيش الآمن.
أما الخدمات الأساسية الأخرى كتوفير خدمات الرعاية الصحية والتعليم، والمتمثلة بإعادة بناء أو تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والجامعات، ودعم الأعمال التجارية المحلية وإعادة تنشيط الاقتصاد، تأتي بالمرحلة الثانية بعد تأمين المنازل والبنية التحتية.
وهنا لا بد من تحديد دور الجهات الفاعلة بعد تحديد احتياجات إعادة التوطين وتنسيق الجهود مع المجتمع الدولي، فعلى المنظمات الدولية تقديم المساعدة المالية والتقنية لإعادة الإعمار، وعلى المنظمات غير الحكومية تقديم الدعم الإنساني والاجتماعي للنازحين.
إنّ إعادة توطين النازحين في غزة هي عملية معقّدة وطويلة الأمد، وتتطلب التعاون المستمر بين جميع الجهات الفاعلة، وتتطلب الوضوح والاتفاق على التفاصيل عند إبرام أيّ هدنة أو اتفاق.
وبناء عليه، فإنّ الحديث عن عودة النازحين إلى بيوتهم ليس لها معنى، إن لم يسبقها تأمين بيوت مجهزة لهم، يجب البدء الآن بالتجهيزات اللازمة من رفع الركام إلى بناء أو نصب البيوت وتجهيزها، وإعادة تأهيل البنية التحتية، على الرغم من إصرار عدد كبير من النازحين على العودة إلى أماكن سكنهم بغض النظر إن كانت قد أصبحت ركاماً.