الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الساحة المستباحة

نشر بتاريخ: 06/06/2024 ( آخر تحديث: 06/06/2024 الساعة: 23:22 )

الكاتب: عواد الجعفري

قبل أكثر من عقد، كان التنظير لشبكات التواصل الاجتماعي في أوجه. قيل الكثير وكتب كثير عن "ثورة السوشال ميديا" التي كسرت احتكار الإعلام التقليدي للحقيقة ونشر المعلومات.

لم يعد الآن مجالاً لقول هذا الكلام مرة ثانية بعد كل الذي حدث في الحرب الإسرائيلية على غزة. هذه الحرب التي فضحت الكثيرين ومنهم شبكات التواصل.

لقد تعاملت شبكات التواصل، وخصوصاً موقع "فيسبوك" مع المحتوى الفلسطيني تماما مثلما كان يفعل الرقيب العسكري الإسرائيلي على الصحافة الفلسطينية في السبعينيات، بل لا نتجاوز إن قلنا إنه أسوأ بكثير.

كيف ذلك؟

شطب "فيسبوك" صفحات إخبارية فلسطينية يتابعها الملايين، وألغى من الوجود جهداً إخباريا تراكم على مدى سنوات. الرقيب العسكري الإسرائيلي في ذلك الزمان الذي انقضى كان يشطب أحياناً خبراً هنا ومقالاً هناك. طبعا نحن نتحدث عن محتوى إخباري على "فيسبوك" لا محتوى دعائي للفصائل ربما يستغله الموقع حجة في تبرير حجبه. لذلك لكم أن تتخيلوا حجم رقابة "ميتا" (الشركة المالكة لفيسبوك وأخواته).

ذكرنا في كتابنا "صحافة الأون لاين.. فن معالجة المعلومات أكثر من جمعها" أن شبكات التواصل الاجتماعي هي أولاً وأخيراً شركات تسعى للربح، ومَن يعتقد غير ذلك واهم. هذه الشركات في سعيها للربح مستعدة لخلع جلدها وارتداء آخر، وهي بالفعل عملت ذلك. من بدأ بالنص وقال إنه له يحيد عنه، فتح الباب أمام الفيديو على مصراعيه بعد أن وجد رواجاً له. ومَن رفع صوته عالياً في الدفاع عن الحرية، قمعها بكل برود.

نعود إلى "فيسبوك". لقد شكّل هذا الموقع بداية رحلتنا تقريباً، نحن الفلسطينيين مع شبكات التواصل. وفي ذلك الوقت، الذي أقدره بين عامي 2007 و2009، لم تكن هناك منصات أخرى منافسة بقوة من خارج المصالح الغربية، مثل "تيك توك" حاليا.

كنا نشاهد على الخط الزمني (التايم لاين) في حساباتنا ما يكتبه أصدقاؤنا، تطبيقاً لرسالة الموقع المكتوبة على واجهته: "يمنحك فيسبوك إمكانية التواصل مع الأشخاص ومشاركة ما تريد معهم". اليوم، أصبح "فيسبوك" ساحة مستباحة بكل ما للمعنى من كلمة: ترى تعليقاً لصديق، ثم فيضاً من الإعلانات. تلك الإعلانات التي كانت على هامش الخط الزمني انتقلت إلى قلبه. شيئا فشيئا، بدأت تعليقات الأصدقاء تتلاشى مقابل الإعلانات. هل لاحظتم ذلك؟ ومهما حاولت تعديل الوضع عبر ضبط الإعدادات فلن يتغير الوضع كثيرا. والنتيجة: لم يعد الموقع مساحة للتواصل مع الأشخاص رغم أنه جوهر "الموقع الأزرق"، والخصوصية باتت في خبر كان.

يقال إنه إذا قدم لك البائع سلعة مجاناً، اعلم أنك السلعة. هذا ينطبق على "فيسبوك" أكثر من غيره من شبكات التواصل، لقد أخذ حساباتنا إلى مكان آخر ووضع فيها ما يروق له وحذف كل ما لا يروق له (تحديداً المحتوى الفلسطيني)، وباع بيانات المستخدمين والنموذج المثالي على ذلك فضيحة "كامبريدج أناليتيكا"، عندما سرّب الموقع بيانات 87 مليون مستخدم لشركة استشارات سياسية بريطانية.