الكاتب: أحمد غنيم
مبادرة وطنية لمجموعة كبيرة من شخصيات فلسطينية من مختلف قطاعات الشعب. أثارت نقاشا واسعا وحركت المياه الراكدة في نهر الحركة الوطنية الفلسطينية الذي حُصرَ عمداً في حيز مُغلق وظلِّ غياب مُطلق. بعيداً عن فعل وطني يليق ويرتقي لمستوى التضحيات التي يقدمها شعبنا في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال ضده في قطاع غزة بشكل خاص وتستهدف الوطن والشعب كله. مبادرة أجبرت بعض من أعضاء القيادة الفلسطينية أن يستنفروا بلاغتهم الثورية التي غابت عن مسرح الأحداث دهراً. وكيْلِ الاتهامات بلا وزن ولا حساب، ضد كل من تجرأ على كسر الصمت وخرج عن عصا الطاعة ورفض الاستسلام والجلوس على مقاعد المتفرجين أمام الشاشات، وأبى أن ينضم إلى جيش الغياب من الخاذلين والمخذولين وحراس الأزمة. مبادرة من أصحاب البيت وحُماة المنظمة منذ تأسيسها. من أسرى محررين وقدامى المحاربين ومناضلين لم يبرحوا قمة الجبل، ومن أصحاب الرأي والأكاديميين والصحفيين والأطباء والمهندسين والمحامين ورجال الميدان، ومن شباب وشبات الحركات الطلابية من الداخل والخارج. في لحظة حسم فارقة، وقبل أن يُكمل العدو وحلفاؤه قيدهم على عنق الحالة الفلسطينية. ويحققوا نصرا بالمكر والسياسية الأمر الذي لم يتحقق لهم على أرض المعركة. وقبل أن يكتمل طوق المؤامرة على عُنق النظام السياسي الفلسطيني بأسره وعلى رأسه منظمة التحرير، بينما قيادتها تنأى بنفسها إلى الحيّز الأضيق في إطار سداسية مظفر النواب، بعيدا عن فضاء الفعل الوطني لشعبنا والشعوب الناهضة المقبلة نحونا على سطح الأرض.
كان أحرى بالقيادة الفلسطينية أن تلتقط هذه المبادرة لترفعها في وجه كل الأطراف التي تستهدف شعبنا وقضيته الوطنية. في وجه أولئك الذين يبحثون بين ركام المباني عن يوم تالي وشكل بالي للحكم في غزة. مرة من العشائر ومرة من العجائب من عرب وعجم وعلوج وفلول. من أي نوع ومن أي صنف إلا أن يكون فلسطينيا وطنيا ينتمي لوطنه وشعبه وقضيته ومقاومته الباسلة، ومن ممثله الشرعي الوحيد منظمة الحرير الفلسطينية، التي للأسف لم ترتقي قيادتها إلى مستوى الحدث. فبَدَلَ أنْ تُشهر سيف الوحدة في وجه الأعداء والمراهنين على الانقسام. تهربُ بعيدا إلى شتى المسارات إلا مسارَ الوحدة. فماذا يعني إلغاء لقاء الحوار الذي كان مزمع عقده في بكين في الثالث والعشرين من الشهر الحالي. إلا الإصرار على الهروب من الوحدة. لماذا ابلغت القيادة الفلسطينية السفير الصيني إلغاء لقاء بكين الذي ما زالت معظم الفصائل الفلسطينية متمسكة به. خاصة بعد أن حقق اللقاء السابق خطوة على طريق الوحدة.
إن الضرورة الوطنية هي التي دعت ثلةٌ من المبادرين الفلسطينين إلى إطلاق نداء الوحدة، الذي استفز حراس الانقسام. إن الواقع الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية لن يساعدها أن تواجه التحديات الكبيرة وتجيب على الأسئلة الصعبة بين اليوم الحالي واليوم التالي. لأن العدو وحلفاؤه يراهنون على استمرار الانقسام ومنع الوحدة الفلسطينية.
أمام كل هذه التحديات. لم يعد الأمر يتعلق ببرنامج هذا الفصيل أو ذاك. ولا الخلاف على جملة أو كلمة في هذه المبادرة أو تلك يمكن بالتأكيد تعديها أو تغيرها والاتفاق عليها. فليست المسألة موضوع اجتهاد في النص. لأن النصوص تحتمل التعديل والتغير ما دامت الفكرة ناضجة مكتملة الوضوح. بل إن القضية هي قضية حسم في الموقف وفرز بين من يسعى لاستمرار صيغة التعايش مع العدو الشريك. وبين من يرى أن حرب الإبادة اطاحت بوهم الشراكة والتعايش مع المحتل. ولا ينحصر الموضوع بالأشخاص. فليس من شخصية هي مركز لحدث أو مبادرة. مهما بلغ شأنها أو الاتفاق أو الاختلاف حولها. بل إن الأمر يتعلق بالقضية الوطنية كلها. فإما أن نكون وإما أن نهون فتذهب ريحنا وتتبدد تضحياتنا. فلا يمكن لحركة تحرر وطني تأخذ تفويضها من الاحتلال أن تحفظ موقعها ودورها كحركة تحرر وطني ولا أن تنجز الاستقلال قبل أن تنجز الوحدة. فالوحدة ليست شعار نتغنى به. الوحدة قانون الانتصار كما كان يردد دائما القائد الوطني الكبير الأسير مروان البرغوثي، وانهاء كل علاقة مع المحتل شرط استعادة منظمة التحرير لموقعها كحركة تحرر وطني.
لم يبقى متسع من الوقت للمناورات الجانبية ولا المصالح الشخصية والفئوية الضيقة. إما الوحدة الأن أو أقدار مرسومة للإطاحة بالنظام السياسي الفلسطيني والمشروع الوطني برمته. وكما قال شاعرنا العظيم محمود درويش.
انتصر هذا الصباح
ووحد الرايات والأمم
الحزينة والفصول
بكل ما اوتيت من شبق الحياة.
بطلقة الطلقات
باللاشيء ....
وحدنا بمعجزة فلسطينية.
والسؤال من يحمي المنظمة ومن يتهددها بالتدهور والفناء. أولئك الذين حطموا جدار الصمت بالدعوة إلى إعادة تفعيل دورها قائدة للمشروع الوطني باعتبارها ليس فقط الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بل الإطار الوطني والجبهة الوطنية التي تضم ويجب أن تضم كل مكونات الفعل الوطني والنضالي ضد الاحتلال، أم أولئك الذين غيبوها وهمشوا دورها. وأرادوا لها الانزواء في حيز الفئوية الضيقة والتفرد بالقرار، بعيد عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي تم تغيبه عن صناعة القرار بإلغاء الانتخابات وتفكيك وتعطيل كل أطر ومرجعيات الشرعية داخل منظمة التحرير . من تعطيل عقد المجلس الوطني الفلسطيني لسنوات طويلة. وتجاوز قرارات المجلس الثوري والمجلس المركزي التي دعت إلى إنهاء العلاقة مع الاحتلال. أولئك الذين قاموا بإلغاء الانتخابات والاستحواذ على السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية وتدوير مواقع الحكم ببن مجموعة محدودة لصناعة مركز مصالح يهب بعضه لنجدة بعض وشيطنة كل من يحاول ان يرفض هذا العبث والاستحواذ والتفرد والإقصاء من كلِّ أطراف الفعل الحقيقي على الأرض.
والسؤال لماذا استفزت هذه المبادرة دون غيرها بعض من أعضاء القيادة الفلسطينية، ونقول البعض، فليس من العدل ولا من الحكمة أن نضع الكل في المربع نفسه. فنحن نعلم ويعلم شعبنا كيف يميز بين الغث والسمين. لقد استفزت هذه المبادرة الحية الخلاقة هؤلاء لأنها جاءت في لحظة الضرورة، مانعة للانحدار والتساوق مع المشاريع الأمريكية والصهيونية التي تعمل ليل نهار لجلب انتصار مفقود ثبت انه غير ممكن لدولة الاحتلال، سواء بالتماهي مع الضغوط الإقليمية أو من خلال النقاط الامريكية العشر التي قدمت للقيادة والتي لم يرد فيها أي إشارة لحقوق شعبنا الشرعية، بل مزيدا من بيع الوهم حول مفهوم لدولة فلسطينية لا ضمان ولا زمان ولا حدود ولا مستقبل لها، تُترك لتكون نتاج لمفاوضات مع محتل يشن حرب إبادة ضد شعبنا.
ولأنها مبادرة تتوفر لها فرصة النجاح لإنهاء الانقسام وتحطيم حالة العجز في الأداء وإعادة الشعب إلى صدر القرار الوطني. ولأنها تعيد منظمة التحرير الفلسطينية إلى ميثاقها وعهدها مع شعبها على استكمال عملية التحرر الوطني ورفع شأن مسألة التحرير على مسألة الحكم مهما بلغت أهميتها. لأن شرعية الوطن أعلى من شرعية الحكم. ولأنها مبادرة جمعت شتات الشعب في الداخل والخارج ولأنها من حراس البيدر.
إن كل محاولات شيطنة هذه المبادرة ستفشل، لأن شعبنا مؤمن بالوحدة ويسعى لها. لأن شعبنا ملَّ سياسة بيع الوهم وشراء الوقت، ولأن شعبنا يعبر عن ذلك كل يوم بطرق شتى وأخرها استطلاعات الرأي.
إنني أدعو أبناء شعبنا إلى الالتفاف حول هذه المبادرة الشجاعة وأدعو كل الكوادر والفاعلين الوطنيين إلى تبني كل مبادرة تدعوا لوحدة شعبنا. ووحدة نظامنا السياسي بقيادة ممثله الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية الإطار التي يجب أن يجمع كل الفصائل وهيئات الفعل الفلسطيني الشعبية والاهلية. وبما يحصن ويحمي مقاومته الباسلة. منظمة التحرير ليست الوطن المعنوي لشعبنا فقط، بل قاربنا الوحيد المؤهل شرعيا ودوليا للأبحار بنا الى أهدافنا الوطنية بالحرية والعودة وتقرير المصير واقامة دولتنا الفلسطينية على أرض وطننا وعاصمتها القدس على إيقاع مقاومة فاعلة تجعل النصر أقرب.