الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الضم والابادة وجهان لحرب واحدة

نشر بتاريخ: 24/06/2024 ( آخر تحديث: 24/06/2024 الساعة: 20:26 )

الكاتب: جمال زقوت

التسجيل الصوتي لوزير المالية والوزير في وزارة الجيش سموتريتش، الذي كشفت عنه النيويورك تايمز كان بمثابة الإعلان عن خطته للسيطرة على الضفة الغربية وبسط السيادة القانونية عليها. جاء ذلك خلال لقاء سموتريتش مع مجموعة من المستوطنين حيث قال "حكومة نتانياهو منخرطة في خطة سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها الضفة الغربية، لتعزيز السيطرة الاسرائيلية عليها بشكل لا رجعة فيه، بدون اتهامها بضمها رسميا"، مضيفاً وفقا لنيويورك تايمز" أن الهدف الأساسي لهذه الخطة هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية.

التسريب إعلان رسمي للضم

بداية لا بد من الاشارة إلى أن هذا التسريب لم يأتِ بجديد سوى رغبة سموتريتس ومن خلفه نتانياهو في تحدي بعض المواقف الدولية وتحولات الرأي العام ازاء جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي يظهر أن سموتريتش نفسه صاحب المصلحة الأولى في هذا التسريب، إن لم يكن هو شخصياً من قام به . علينا أن نتذكر أن برنامج الائتلاف الأساسي لحكومة " نتانياهو - سموتريتش- بن جفير "، والذي أعلنه نتانياهو لنيل ثقة الكنيست بحكومته اشتمل بصورة واضحة على الخطوط العريضة لما بات يعرف بخطة الحسم أي ضم الضفة الغربية وتصفية القضية والحقوق الفلسطينية، كما أن ما يمكن أن يسمى بالتحايل على الوضع القانوني لمرجعية الحكم في الضفة الغربية، الذي تضمنه التسريب، كانت قد تمت المصادقة عليه رسمياً من خلال تكليف سموتريتش كوزير في وزارة الجيش، و تفويضة بالمسؤولية عن ما تسمى بالادارة المدنية .

يبدو أن سموتريتش، والذي ارتفع سعره عند نتانياهو بعد خروج جانتس وحزبه من حكومة الطواري، قد أحكم هو وبن جڤير قبضتهما على رقبة ومصير نتانياهو، تَقصَّد هذا التسريب ، سيما بعد أن قطع شوطاً في نقل هيكل وصلاحيات "الادارة المدنية" من سلطة الجيش إلى سلطته المباشر وتوسيع بنيتها الإدارية ، وأنه لا يريد لهذه المهمة أن تبقى في الظل لأسباب مختلفه بما فيها الانتخابية، دون أن يعنى ذلك أنها تمت من خلف ظهر نتانياهو، إن لم تكن بالتنسيق المباشر معه، فهو عراب المشروع الاستيطاني لخطة الضم والحسم، ومنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .

حرب الضم استراتيجية سبقت حرب الابادة

في هذا السياق، يتضح تماماً أن إسرائيل، ومنذ ما قبل السابع من أكتوبر، تسير على قدم وساق بهذا المخطط، و أن ما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم إبادة، لم تكن مجرد حرب إنتقامية على فشلها الذريع في السابع من أكتوبر، بقدر ما هي جزء من خطة معدة مسبقاً لتقويض وتدمير القدرة الفلسطينية على مواجهة مخططات تصفية الحقوق الفلسطينية وحسم الصراع لصالح العقيدة الصهيودينية المتطرفة التي تمثلها هذه الحكومة . وربما أن هذا التسريب، الذي يأتي في أسوأ لحظة تمر بها حكومة الاحتلال، يهدف إلى التأكيد على تصميمها في المضي بمخططها هذا كتعويض على الفشل الذي تواجهه في حربها على القطاع.

الضم حرب السيطرة الاقليمية

الإعلان السافر عن هذا المخطط يضع كافة الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية التي تتبنى حتى الآن ما يعرف بحل الدولتين أمام لحظة الحقيقة التي لم تعد تقبل المزيد من التضليل والمراوغة وبيع الوهم .

فالولايات المتحدة التي ظهرت كشريك في حرب الابادة على شعبنا في قطاع غزة في سياق المخطط الإسرائيلي الأشمل، بما في ذلك عمليات القتل والاستباحة اليومية لمختلف أنحاء الضفة، دون أن تحرك ساكناً، لا يمكنها اليوم الاستمرار في تضليل العالم من خلال إعلان تمسكها بخيار الدولتين، بينما تسير خطة الحسم في الضفة، و هي شريكة في حرب الابادة على غزة، ولا يهمها سوى تغطية مسؤولية إسرائيل عنها، و محاولة تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن استمرارها . فهذا جوهر خطة بايدن ودبلوماسية بلينكن، لالقاء الكرة في ملعب حماس رغم ترحيبها بقرار مجلس الأمن، بينما إسرائيل حتى اللحظة لم تعلن موافقتها الرسمية عليه، سوى عبر بلينكن وسوليڤان .

تغييب الوحدة رافعة نتانياهو للضم والابادة

هذا في وقت تواصل فيه القيادة المتنفذة للسلطة ومنظمة التحرير الرهان على سراب الوعود الأمريكية، دون أن تتوقف لحظة لمراجعة المسار الذي أوصلت فيه الشعب الفلسطيني وقضيته لما تواجهه من مخاطر مصيرية، بما في ذلك عجزها المطلق عن مواجهة محاولات إسرائيل لهندسة النظام السياسي الفلسطيني وفق مخططاتها، إن لم يكن تسليم البعض بذلك، بما يشمل الإبقاء على حالة الانقسام، التي تعتبر الرافعة الأساسية لاستمرار حرب الابادة، والمضي بمخططات الضم والتصفية التي يقودها نتانياهو ، وإلا كيف يمكن تفسير ادارة الظهر لارادة الإجماع الشعبي والفصائلي لتوحيد الصفوف تحت راية منظمة التحرير والتوافق في اطارها على حكومة توافق وطني؟ وبما يشمل أولويات ومرجعية هذه الحكومة الانتقالية لحين اجراء الانتخاب، كخطوات ملزمة لاطلاق صافرة قطار استعادة وحدة الكيانية والنظام السياسي كشرط ضروري دونه تتحول مسألة الدولة الفلسطينية إلى مجرد شعار وهمي .

وأخيراً ،

من البديهي أن موقفاً فلسطينياً جاداً لبناء الوحدة يشكل مدخلاً للمواجهة السياسية، ليس فقط لافشال مخططات الضم، بل ولوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الفورية لوقف الحرب، واتخاذ مواقف عملية ضد مخططات الضم. إن التردد في اتخاذ مثل هذا الموقف، وبلورة خطة عمل موحدة تستند إلى الإجماع في اطار مؤسسات الوطنية الجامعة، واستمرار الرهان على وعود، وحتى على اعترافات أوروبية أو غيرها بالدولة الفلسطينية، لن يكون سوى إبراء ذمة عن المذبحة السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية إلى جانب مذبحة العصر التي ترتكب ضد شعبنا في قطاع غزة . وعلينا جميعاً أن ندرك أن إفشال مخططات الضم في الضفة الغربية تبدأ بهزيمة أهداف حرب نتانياهو على القطاع لإغراق شعبنا بين الدمار وتيه التهجير، بهدف الاستفراد بالضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة لاستكمال تنفيذ مشروعه الاستيطاني التهويدي على أنقاض قضية شعبنا وحقوقه الوطنية وتضحياته الهائلة .