الإثنين: 01/07/2024 بتوقيت القدس الشريف

مصيّفه الغور

نشر بتاريخ: 29/06/2024 ( آخر تحديث: 29/06/2024 الساعة: 11:35 )

الكاتب: د. محمد عودة

اصل الحكاية ان فتاة قروية ذهبت مع زميلاتها إلى غور الاردن في موسم الحصاد لتجمع ما بقي من سنابل القمح بعد انتهاء الحصّادين من الحصاد، فكان أن أغراها صاحب الحقول إن هي مكّنته من نفسها أن يعطيها حملًا من القمح أكثر ممّا جمعته كل زميلاتها وبعد أن سرق منها عفّتها، لم يعطها ما وعدها به فرجعت الفتيات يحملن على رؤوسهن ما جمعن من قمح إلّا هي رجعت منكّسه الرأس خزيًا ولا تحمل على رأسها قمحًا، فأصبح المثل "مثل مصيّفة الغور، لا صيف صيّفت ولا عرض صانت،". انه مثل شائع ويقال لمن فقد الهدف بعد ان دفع الثمن غاليا، المثل ينطبق على الوضع الفلسطينيفمنذ بداية الصراع,كانت فصائل العمل الوطني بالمحصله تصل الى نفس ما وصلت اليه مصيفه الغور.

ان تجربه العقود الستة الاخيره اهدافها وطنيه تحقيقها غايه في الصعوبه ووسائل واساليب عاجزه عن تحقيقها، لقد بدأت الثوره الفلسطينيه المعاصره ببرنامج طموح ،فلسطين من النهر الى البحر عبر الكفاح المسلح كاسلوب وحيد ومن اجل ذلك جندت كافة اطياف الفكر السياسي تحت اطار منظمة التحرير الفلسطينيه . حيث عملت هذه المنظمه ضد التيار، بدءا من الموقف العالمي الرسمي اللا مبالي والعربي المغلوب على امره وصولا الى الموقف الامريكي المعادي.

عندما كان القادة يقتنعون بأن هذا الطريق وحده لا يكفي وعليهم البحث عن الواقعيه كان مصيرهم دوما الاغتيال بتهمه خيانه المشروع الوطني , الى ان وصل ياسر عرفات الى قناعه مفادها ان اسلم طريق هو التفاوض المباشر مع العدو المحتل ! ربما كان محقا في وذلك الا ان الظرف لم يكن مواتيا على الاطلاق.

التفاوض يحتاج الى عدة عوامل ذاتيه وموضوعيه تخلق نوعا من التوازن بين الطرفين ، أي انه من الضروري تعويض الخلل في ميزان القوه الذي يميل بوضوح لصالح الاحتلال , لوضع سياسي داخلي واقليمي يعدل ذلك ويعادله حتى تكون المفاوضات ذات جدوى .الكيان الاسرائيلي ومن خلفه الحركه الصهيونيه والاستعمار العالمي كانوا يدركون جيدا هذا الخلل في الميزان وعليه اوصلا السلطه الوطنيه الى طريق مسدود حيث انها أي السلطه عجزت عن تحقيق أي من طموحات الشعب الوطنيه بل اكثر من ذلك نخرها الفساد المالي والادارى الى نخاع عظمها مما وفر ارضا خصبه لنمو التطرف الى ان اصبحت الساحه الفلسطينيه غير قابله للحكم لان الشرخ اصاب الشارع من القمه الى القاعده وهذا الشرخ مضافا اليه ما زرعه الاحتلال خلال العقود الستة الماضيه افرزا واقعا جديدا مفاده ان برنامج مقاوم تقوده التيارات الدينيه في واد وبرنامج سلمي تقوده سلطه غير قادره متهمة بالفساد في واد اخر .

ومن اجل الخروج من هذه الدوامه جرت محاولات عدة كان ابرزها اتفاق القاهره الذي وفر اجواء دفعت المجتمع الدولي الى فرض انتخابات تشريعيه تحت مظلة اوسلو وبمعنى اخر ان من سيدخل هذه اللعبه عليه ان يكون ملما باوراقها واساليب التعامل معها محترما تعهدات من سبقوه , فقد وضع لذلك مغريات كثيره فاصحاب البرنامج المقاوم وطمعا في السلطه تخلوا عن برنامجهم في الواقع وابقوا عليه من الناحيه النظريه حتى يكون جزءا من حملتهم الانتخابيه رغم ادراكهم ان هذا البرنامج والسلطة خطان متوازيان لا يلتقيان لكنهم كانوا على يقين بان الثمن قد دفع وبالتالي لا بد من قطف الثمر .

وبما انهم عجزوا عن تحقيق أي انجاز يذكر في الفتره القصيره التي حكموا فيها شطري الوطن والطويلة نسبيا في حكم الشطر الجنوبي ومن منطلق قناعاتهم بان السلطه غير دائمه فقد نخرهم الفساد بوتيرة سريعة .

فبرنامج الاصلاح والتغيير لم يؤدي الى أي اصلاح حقيقي فوجود حماس في الحكم في قطاع غزة استخدمه العدو كذريعة للاعتداء على غزة وبشكل بربري في العديد من المناسبات بغية اضعاف حركة حماس من جهة واشغال الناس في اعادة اعمار بيوتهم وخلق ظروف تدفع شبابهم الى الهجرة. فحماس في طريقها الى الغور رغم كل التضحيات خاصة بعد الطوفان وستعود كما عادت تلك المصيفه.

إن من اهداف العدوان الاخير تدمير غزة وتقليم اظافر حماس والابقاء على الانقسام البغيض وربما في فترة لاحقة استغلال نتائج العدوان لتثوير الناس ضد المقاومة في غزة ونتاج الازمة التي تعصف بالسلطة تثوير الناس على السلطه طمعا في استنساخ تجربة شبيهة بتجربة روابط القرى.

اعتقد ان شعباً مثل الشعب الفلسطيني صمد كل هذا الصمود وقدم كل هذه التضحيات يستحق من اولي امره وقفة جادة تؤدي الى انجاز وحدة وطنية حقيقية تحت اطار الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني تمارس كل اشكال النضال المناسبة لتخليص هذا الشعب من معاناته سواء كانت على يد الاحتلال او اعوانه في الداخل والخارج ،وانجاز تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .

والى ذلك الحين سنبقى كلنا مصيفة الغور, الشعب ,الاحزاب,الافراد والمؤسسات.