الكاتب: تحسين يقين
حرب جبانة، لا حرب فرسان؛ تؤكدها ما اصطلح على تسميتها بالمرحلة الثالثة، أي قيام الغزاة بعمليات محددة. لا تتميز هذه المرحلة عن سابقاتها في فعل المجازر. لربما تتميز بشيء واحد، تقليل دخول جنود الاحتلال برا.
شمالا: خسرت إسرائيل حربها هناك، سواء أوقعت أم لم تقع؛ فإن وفعت فسترتكب إسرائيل جرائم حرب أخرى جديدة في لبنان، في وقت لن تنجح في القضاء على المقاومة اللبنانية، وإن لم تقع، فإن لعدم الوقوع تفسير واحد: خوف إسرائيل من الحرب هناك. وهذا يعني هزيمة أخرى معنوية عميقة، حيث لم تعد إسرائيل تنجح في التخويف.
أما الحرب الآن، شمالا، بالشكل الحالي، بما سميت بحرب إسناد أو إشغال، فقد حققت الحرب هدفها، في تشتيت القوة العسكرية بل وإرباكها، ولسان حال جنود الاحتلال يقول إذا كانت حرب الجنوب على غزة، في ظل سلاح محدود، فكيف ستكون الحرب في ظل سلاح غير محدود.
لذلك، فإن عدم قدرة المستويات السياسية والعسكرية ولأمنية على الحسم، يعني أن حزب الله اللبناني قد حسم الحرب لصالحه، وصالح حليفته إيران.
إن حصاد هذه الحرب يتمثل في عدم القدرة الإسرائيلية على الاختيار من متعدد، ما جعلها جنوبا مستمرة في مراكمة جرائم الحرب على المدنيين، والأعداد بازدياد.
فأن تصل دولة الاحتلال إلى حالة تكون فيها غير مدركة لا لما تفعل فقط، بل لما ستفعله؛ فهي فعلا غير قادرة على تحديد الفعل، وهي أصلا غير قادرة على موضعة نفسها.
نتيجة أية حرب تشنها إسرائيل هي خاسر خاسر، فإن سيخسر لبنا فإنها ستخسر أيضا. فلن تكون دولة الاحتلال رابحة أبدا، فلماذا لا تفكر دولة الاحتلال بنتيجة رابح رابح، التي طريقها واضح: إنهاء الاحتلال؟
حين تعود إسرائيل الى تقييم ما كان، سيكتشف صناع قرارها أنهم مثل من خرج من بئر ليدخل "هواية"، والهواية مصطلح من اللهجة العامية، الذي يصف ثقوب الأرض التي ليس لها قرار، والتي حدثت بفعل الرعد والبرق.
وهذا سيعني ان دولة الاحتلال تعاني من الفعل ورد الفعل، وأنها لم تعد البعبع الذي تخشاه الدول والجماعات.
جنوبا، تراكمت الجثث والمصابون، والبيوت. هي حالة من الركام ولكن لعل وصف الشاعر: تحت الخرائب نقمة تتقلب وصف دقيق لما يمكن أن يكون مستقبلا، تلك كلمات الشاعر سميح القاسم:
بعض الأغاني صرخة لا تطرب
فإذا استفزتكم أغاني اغضبوا
يا منشئين على خرائب منزلي
تحت الخرائب نقمة تتقلب
وهنا، جنوبا، وفي جهات فلسطين التاريخية، يتراكم كل يوم لا الحزن فقط، بل الغضب الفلسطيني، والذي ستجد الأجيال الفلسطيني، الأبناء والأخوة، طريقا لفعل يشفي النفوس، ما يعني أن وجود إسرائيل مستقرة أمر مشكوك فيه، وأن المفارقة العجيبة حدثت، فما هدفت له إسرائيل بجعل قطاع غزة مكانا غير صالح للعيش، انعكس الحال، فأصبحت الهجرة اليهودية عكسية، فقد أصبحت فعلا غير صالحة للعيش؛ فمنطق أية هجرة وهدفها الاستقرار.
هنا وهناك، في ظل سعي الاحتلال ممثل باليمين المتطرف لإقصاء الفصائل المسلحة، فقد أصبح هناك ما يمثل إجماعا بضرورة تغيير المنظومات السياسية، التي لن تستثني إسرائيل.
في ظل توقع تغيير المنظومات السياسية، التي ستطال الجميع الفاعل والمؤثر، فإنه على المستوى الشعبي، سيبقى الشعب الفلسطيني هنا، في حين لربما يختار المستوطنون الرحيل التلقائي للبدء من جديد.
أما ما تراكم من استخلاصات عسكرية، فإن التقنيات وتكنولوجيا الحرب لم تعد مقتصرة على دولة الاحتلال، وعام وراء عام، خفت الفجوات العسكرية، إلا من تفوق الطيران الإسرائيلي، ولا أحد يمكن توقع ضمان هذا التفوق.
هي النهاية الطبيعية إذ نهاية الاحتلال، فم غير هذا يكون ويتجلى، وتتفكك إسرائيل، غي مأسوف عليها، حيث قد بدأ البحث عن تحالفات جديدة، لسبب بسيط ن هدف الحلف هو تحقيق المصلحة.
تخسر إسرائيل جنوبا، كما خسرت شمالا الا من مكسب واحد ألا وهو نجاح الحرب على المدنيين.
تشترط وزيرة العلوم في حكومة إسرائيل وقف الحرب بتغير النظام السياسي الحكم والإرادة. إن الإصرار على ذلك يعني تغيير نظام اليمين المتطرف، ما يجل إسرائيل تبذر بذور النهاية بالمعنى الوجودي.
لقد راكمت إسرائيل تخريبها، الذي عاد عليها؛ فقد قيل حامل السيف يقتل به، فقد كانت إسرائيل في مجال اختيار ما يحقق هدفها، لكنه العناد. لقد عقدت إسرائيل أمور الحرب وأمور السلام هنا.
حصد إطالة الحرب قتل الفلسطينيين، كما حصد فعل المقاومة على الأرض، الذي سيعني بقاء الشعب والمقاومة. كما أدى الى كسر حالة الاستفراد بفلسطين، حيث تعددت جبهات القتال" فمن نجد إلى يمن الى مصر فتطوان". فببلاد العرب أوطاني.
لعله التراكم المادي الكمي الذي يؤدي الى تراكم نوعيّ، فقد صار لدى المتحاربين فرصة فرض الأمر الواقع، ولم تعد إسرائيل فقط هي من يسعى لفرض الأمر الواقع.
أما الفعل الأمريكي بدعم إسرائيل وتغطية أفعالها، فلن يكون كسابق عهده، لأنه يعرض الساسة هناك ليس فقط للمساءلة بل لتقديمهم للمحاكمة؛ فمواصلة الحرب تعني المزيد من الجرائم، فلم تعن المرحلة الثالثة من الحرب إلا المزيد من الدماء، من خلال عمليات إسرائيلية محددة، وهذا ما حصل في الشجاعية يوم الخميس.
ويبدو أن ما تتقنه إسرائيل هو الاستخدام المفرط للقوة، الذي تزداد نتائجه المأساوية مع تطور صناعة المتفجرات.
وهكذا، سيلخص المؤرخون الحرب على غزة، بكلمات قليلة، مقترن بنهاية الاحتلال، تلك ما تسمى بالسيرورة والصيرورة، التي تعامت إسرائيل عنها حتى عميت فعلا.
وغدا، مهما كان الغد، فستقف الحرب، وتعقد صفقة تبادل الأسرى، ويمكن بالطبع تحريك العملية السياسية، ولكن لن يكون بمقدور إسرائيل حسم الحرب والسلام كما تفكر، بل ستتعرض لحالة الانفعال فعلا.
يبقى الشعب وتبقى الشعوب، وهذا ما يسكن في الوعي واللاوعي.
أما المستوطنون المتكاثرون بفعل الزواج والهجرات، فقد خفت الزيجات وكثرت الهجرة العكسية، وحدث ما لم تحسم إسرائيل فعله ما يعني أن شعبنا قادر على البقاء الإيداعي.