السبت: 05/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلطة الفلسطينية بين ضعف الولايات المتحدة وبلطجية حكام إسرائيل

نشر بتاريخ: 06/07/2024 ( آخر تحديث: 06/07/2024 الساعة: 12:28 )

الكاتب: برهان السعدي

يتكرر الحديث منذ فترة غير بسيطة عن ضرورة إنهاء السلطة الفلسطينية بقرار ذاتي، ثم تصاعدت النبرة واللهجة لتصل إلى المناداة بانهيار السلطة الفلسطينية.

لا بد من التأكيد أن نشوء السلطة الفلسطينية لم يكن منّة من أحد، ولا شفقة من أحد، إنما بفعل النضال المتراكم، ومن خلال أساليب ووسائل المقاومة المختلفة ومحورها أسلوب حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، وعنوانها الكفاح المسلح، وصود الشعب الفلسطيني وتضحياته وشلالات الدم الفلسطيني التي أريقت على معبد الحرية، وعشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، والجماهير الملتفة حولها عربيا وعالميا، إضافة إلى الدبلوماسية الفلسطينية وحنكة القيادة الفلسطينية وقوتها وتحالفاتها، شكل جميعه الطريق المؤدي لقيام سلطة وطنية فلسطينية على أرض فلسطين.

إن معركة بيروت والصمود الأسطوري لشعبنا وأصدقائنا في لبنان، كان دافعا للولايات المتحدة وأوروبا للتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية كفريق أساس في الساحتين الفلسطينية والعربية، بعد فشل جميع محاولات تصفية الثورة الفلسطينية، وفشل جميع الرهانات لخلق بدائل هزيلة يمكن من خلالها تصفية القضية الفلسطينية.

وقيام السلطة الفلسطينية كان بموافقة ومباركة يمكن وصفها كقرار أوروبي – أمريكي لإيجاد السلطة الفلسطينية، وبرعاية أمريكية، وما الرباعية التي تشكلت إثر ذلك سوى تأكيد على حاضنة دولية للسلطة الفلسطينية، كمقدمة لحل الصراع القائم، بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتنفيذ حق العودة للفلسطينيين على أرض وطنهم.

فاستمرار وجود السلطة الفلسطينية بهذه الكيانية أو عدمه، مرتبط بمصلحة الشعب الفلسطيني وتمسكه بالأهداف الوطنية التي كان قيام السلطة الوطنية جسرا لها. أما موقف أقطاب البلطجة في حكومة الاحتلال بشأن انهيار السلطة الوطنية، وقرصنة أموالها، والاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات بين حين وآخر من الأراضي الفلسطينية، فهي خطوات تصب في فاشية هذه الحكومة، ومعاداتها للقوانين الدولية، غير آبهة بغير سياستها التوسعية الاستيطانية، من خلال القتل المتواصل، وهدم الممتلكات من أبنية ومسقفات وحظائر، ومن خلال قصف جيشها بطائراته للقرى والمدن والمخيمات الفلسطينية تحت أقبح المبررات والأعذار.

والسؤال: ما دامت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، تعتبر أن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 هي أراضٍ محتلة، وأن من حق الفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة على أرض وطنهم، وأنهم لا يعترفون بأي تغييرات طرأت أو تطرأ على هذه الأراضي، فماذا يمكنهم فعله؟؟!!

وإذا طالبت إدارة البيت الأبيض وأوروبا حكومة إسرائيل بدفع أموال السلطة الفلسطينية المحتجزة كونها حق للسلطة الفلسطينية محكوم باتفاقيات دولية، وطالما وافقت حكومة إسرائيل من حيث المبدأ بتسليم الأموال المحتجزة للسلطة الفلسطينية، إلا أن حكومة الاحتلال وعنوانها المستوطن الفاشي سموترتش الذي يملك معظم الصلاحيات في حكومة الاحتلال ذات العلاقة بالفلسطينيين، قام هذا المستوطن باقتطاع معظم الأموال المحتجزة تحت مبررات أنها تذهب إلى عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين وإلى قطاع غزة، وكأنه الحاكم المطلق في رسم السياسة المالية للشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال. كما أنه يلوح تكرارا بأنه سيرسي على الأرض ما يمنع حتى مستقبلا أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية بفرض حقائق على الأرض.

ورغم حاجة إسرائيل الملحة والدائمة على مدار اللحظة لتزويد أمريكا لها بالسلاح والمال وأحدث أسلحة الدمار، نجد أن موقف الإدارة الأمريكية ضعيف جدا، لا يستطيع أن يؤثر على حكومة الاحتلال بالتراجع عن قرصنتها لأموال ليست حقا لها. ولا تستطيع أن تجبر حكومة الاحتلال على وقف سياستها المعلنة بالتحريض وترويج القتل والدمار وإنهاء وجود شعب متجذر في أرض وطنه رغم إدانة معظم دول العالم لوحشية الاحتلال غير المسبوقة. فمن يستند من العرب أو الفلسطينيين على الولايات المتحدة لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة وإنهاء الاحتلال، كمن يتكئ على حائط مائل، أو كمن يطمئن لوجود لقمته في فم حيوان مفترس.

بكلمة، إن من حق شعبنا الفلسطيني أن تكون له سطته ودولته المستقلة، ومن حقه أن يعيش في وطنه محررا من شوائب احتلالية استعمارية، وفي ظل غياب الدولة الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية بالضرورة أن تشكل ذراعا أمينا وقويا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكلت أساسا وبوصلتها تحرير الوطن الممتد على جغرافيته من النهر إلى البحر، وإذا أصرت حكومة إسرائيل بوحشيتها وهمجيتها على مواصلة القتل لشعبنا تحت ذرائع عنصرية ضمن سياسة الابارتهايد لترحيل شعبنا من وطنه لصالح شذاذ الآفاق من سوائب المستوطنين القتلة، فمن حق الشعب الفلسطيني أن يطالب بلفظ الغرباء المستوطنين القتلة عن أرضه. فنحن شعب مسالم بحبنا للإنسانية وشعوب المعمورة، دون تمييز بين لون أو جنسية أو دين، لكننا نرفض بشدة ونقاوم ما استطعنا كل أشكال الظلم والقهر والاقتلاع من الوطن.

إن السلطة الفلسطينية مهمتها كما رسمتها لها منظمة التحرير الفلسطينية، فهي ليست القائد لها، إنما التابع بكل ما تعنيه الكلمة، وإن خرجت عن هذا السياق تكون قد انتهت مهمتها الوطنية، ويحدد شعبنا مصيرها والبدائل لها ضمن سياقه التاريخي الكفاحي ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مما يستلزم وجوبا وضرورة تفعيل المنظمة كإطار جامع للشعب الفلسطيني بكل أطيافه وقواه رغم تبايناتها.

وعليه لا بد من اتخاذ منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية سياسات وإجراءات واضحة، لإخراس أصوات الغزاة الذين يتطاولون في تصريحاتهم المقززة وأفعالهم الجبانة التي تصل حد الجرائم والإبادة بحق أبناء الشعب الفلسطيني ووطنه. وممارسة ضواغط على الولايات المتحدة وأوروبا للوقوف أمام التزاماتها ووعودها في كبح جماح الغول الاستيطاني المتمرد على أسياده الذي صنعوه لخدمة مصالحهم الاستعمارية في المنطقة العربية.