الكاتب: السفير حكمت عجوري
عندما يصبح المتاح عاجز عن تحقيق الهدف فلا بد من الخوض في كل ما هو ممكن للبحث عن وسائل اخرى لاستبدال هذا المتاح او رفده بادوات ووسائل جديدة يكون اساسها الابداع الفكري من خلال خلق افكار جديدة مختلفة بمعنى عدم او بالاحرى ضرورة استبعاد اعادة توظيف اي من وسائل الفشل وادواته التي استهلكها الوضع القائم وبالتالي لم تعد ذات فائدة.
وفي هذا السياق ارى ان هذه المهمة والتي ما زلت لم اجد لها تسمية ان كانت تحديث او تجديد او استنهاض لم تعد بالضرورة تقع على عاتق السياسيين من اجل انجازها خصوصا وانه لم يعد بحوزتهم غير ادوات استنساخ الماضي بكل ما له وما عليه وهذا ما يشجعني بان ازعم في انها الان تقع على عاتق النخب الوطنية الفلسطينية وتحديدا شريحة المثقفين منهم وتحديدا من الذين عاشوا وذاقوا المعاناة اوعلى الاقل تلمسوها وجدانيا وكثير من هؤلاء اصبح يعيش قسرا خارج الوطن وهو ما يجعل من معاناتهم مضاعفة وبالتالي يجعل من امكانية انجازهم للمهمة اسهل لان المعاناة هي ملح الابداع وهذا ما يجب فعله وهو اقحام المثقفين الفلسطينيين و بتكليف شعبي ورسمي في هذه المرحلة التي سينتقل فيها الصراع من حلبة الملاكمة الى رقعة الشطرنج نظرا لكونها مرحلة ستشهد فقر مدقع في ادوات الكفاح المسلح من سلاح وذخيرة بعد ان تم محاصرة وتدمير ينابيع هذه الادوات وبنيتها التحتية صهيونيا ودوليا وعربيا على الرغم من المشروعية الدولية للمقاومة المسلحة في مقاومة الاحتلال.
مرحلة ما بعد السابع من اكتوبر هي في اعتقادي مرحلة فصيل المثقفين كونها غنية جدا بالثروات السياسية والديبلوماسية التي تفجرت ينابيعها في هذه المرحلة وبشكل غير متوقع وغير مسبوق لصالح القضية الفلسطينية بسبب صحوة الراي العام الغربي ازاء ما يجري في غزة وهو الذي كان قبل ذلك مغيبا بسبب الخداع والفحش والابتزازالصهيوني تحت سطوة العداء للسامية تارة والمحرقة النازية تارة اخرى وعلى مدار اكثر من سبعة عقود استحوذت خلالها الحركة الصهيونية و طيلة تلك الفترة على كل هذه الثروات واستغلتها سياسيا وديبلوماسيا وماليا ووظفتها باتقان خدمة لتسويق روايتها الكاذبة وغطاء لكل جرائم كيانها العنصري ضد اصحاب الارض الاصليين "الفلسطينيون".
هذه الصحوة في الراي العام الشعبي الغربي لصالح عدالة القضية الفلسطينية الذي تفجرت وعلى مدار شهور حرب الابادة والتطهير العرقي التي ارتكبها الصهاينة من ابناء واحفاد الناجين من المحرقة النازية في غزة بحق البشر والحجر والذي لم تسلم منه اي من مدن الضفة الفلسطينية ومخيماتها وهو ما يثبت بان المستهدف في حرب الابادة الصهيونية هذه هوالكل الفلسطيني وليس حماس وخصوصا اللاجئين منهم من حملة مفاتيح العودة بدليل ما تعرضت له الاونروا ومؤسساتها في غزة من تدمير متعمد كونها الشاهد الدولي الابادة الاولى بابشع صورها في سنة 1948 (النكبة) التي اقترفها نفس الصهاينة .
صحوة الضمير الغربي هذه اسقطت بغضبها اخر ورقة توت عن عورة الكيان الصهيوني ومن ثم انكشاف طبيعة هذا الكيان في ممارسة سياسته في الفصل العنصري وسياسة التطهير العرقي والابادة هذه الصحوة هي طريق الخلاص ومن ثم بوصلة المثقف الفلسطيني في مهمته من اجل توظيفها ابداعيا لانجاز المهمة التي نحن بصددها لما تحمله هذه الصحوة في ثناياها من اسلحة وعلى راسها سلاح المقاطعة الفتاك وسلاح الشرعية الدولية التي تحررت هي ايضا بعد ان تمت مصادرتها من قبل الحركة الصهيونية طيلة تلك الفترة .
ما سبق كان هو حافزي وراء ما انا بصدده وهو خلق فصيل المثقفين الفلسطينيين المنتشرين في كل زاوية من زوايا العالم للقيام بهذا الدور الوطني الابداعي لرفد وتغذية المتاح بكل ما يلزم من اجل التأسيس لواقع جديد مختلف عن واقع ما بعد اوسلو الذي تتوج بانتخاب سموتريتش وبن غفير اصحاب مدرستي الارهاب والفاشية في مجتمع الناجين من المحرقة النازية وذلك بحسب قوانين الديمقراطية العنصرية الصهيونية.
ما نقوله ومن اجل ان يعطي اكله فهو بحاجة الى بيئة وطنية فلسطينية صحية سياسيا بمعتى ان تكون نظيفة من سم الانقسام الذي ما زلت اعتقد انه صناعة غير فلسطينية هدفها مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل وهو ما يجعلني اذكر بان الارض لا يحرثها غير عجولها.
النضال الفلسطيني ومنذ حرب الابادة الاولى او نكبة سنة 1948 اعتمد الكفاح المسلح وسيلة وحيدة لتحرير الارض المغتصبة ولكنه وللاسف انتهى باتفاق اوسلو سنة 1993 كتتويج لمرحلة تفاوض لانهاء الصراع ولكنه سرعان ما تكشف بان هذا الاتفاق كان بمثابة فخ صهيوني مليء بالثغرات يستخدمها ليس الصهاينة فقط ضد الفلسطينيين وانما ايضا حلفائهم كما كانت ستفعل حكومة ريشي سوناك في بريطانيا وذلك في محاولة لاستغلال الاتفاق ليكون حجر عثرة امام الفلسطينيين بحرمانهم من مقاضاة اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال في المحاكم الدولية. (الغارديان اللندنية 28/6 ).
والسبب في كل ذلك هو ان اتفاق اوسلو لم يكن اتفاق تفاوضي بقدر ما كان املائي من قبل الطرف الصهيوني وهو ما يعتبر في اعتقادي كبوة ارغمت عليها منظمة التحرير الفلسطينية بعد ان ضاقت عليها ارض العرب بما رحبت بعد انهيار النظام الرسمي العربي بسبب غزو الكويت.
منظمة التحرير الفلسطينية انتزعت بالتضحيات الاعتراف الدولي والعربي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده وهو ما يعني انها شاء من شاء ستبقى كذلك الى ان تنهي نفسها بتجسيد اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وهي اي المنظمة وان بدى عليها الارهاق الا انها المخولة الوحيدة لمواجهة الشرعية الدولية من خلال ما تملكه من اسلحة وهي قرارات هذه الشرعية ذات الصلة والتي لا تسقط بالتقادم وعلى راسها القرارين 181 و 194 التقسيم والعودة وهذا ما اغفلته لغة التفاوض في اوسلو بسبب تحييد هذه الشرعية كما اسلفت من قبل الحركة الصهيونية من خلال الفيتو الاامريكي وهو ما جعل منه اتفاق املائي لصالح شرعية القوة وليس تفاوضي لصالح الشرعية الدولية.
على الرغم من كل ما سبق تمكنت منظمة التحرير من توظيف المتاح والممكن من اجل الحصول على الاعتراف بفلسطين دولة بعضوية مراقبة في المنظمة الاممية سنة 2012 وهو ما يستدعي ومن اجل تجسيد ذلك على الارض هو ما ذكرته في بداية المقال ضرورة استبدال المتاح او رفده باسلحة جديدة لم يتم استخدامها من قبل وهي سلاح الابداع الذي تطرقت له في مقال سابق قبل بضع سنوات وما زلت لا ارى غير المثقفين الفلسطينيين المنتشرين في كل بقاع العالم قادر على صناعة هذا السلاح ليجعل منهم الفصيل الاكثر قدرة على قيادة حرب العقول في مرحلة ما بعد السابع من اكتوبر والتي ارى انها سوف تكون الحرب الاخيرة في مسيرة النضال باتجاه تجسيد الحلم الفلسطيني . حرب العقول ليست بحاجة الى سلاح نووي لمواجهة نووية اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال وانما بحاجة الى الاسلحة التي ذكرناها انفا والتي اصبحت متوفرة وهي الشرعية الدولية والمقاطعة وانهاء الانقسام تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.