الأحد: 06/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

الذكاء الإصطناعي ومستقبل الصحافة

نشر بتاريخ: 08/07/2024 ( آخر تحديث: 08/07/2024 الساعة: 17:10 )

الكاتب: عبد الرحمن الخطيب

الصحافة الذكية لم تعد مجرد فكرة من الخيال العلمي، بل أصبحت واقعاً ملموساً يشكل مستقبلها. ففي عالم تتسارع فيه التطورات التكنولوجية، يقف الذكاء الاصطناعي في طليعة الابتكارات التي تغير وجه الصحافة بشكل جذري كما باقي القطاعات الحياتية. ولكن، ماذا يعني ذلك بالنسبة للصحافة وللصحفي الفلسطيني؟ لنتجول في هذه التقنية فلسطينياً ونرى كيف يمكن أن تؤثر على واقعنا الإعلامي، وتعمل على تطويره، ولم لا؟

قد يبدو الحديث عن تدخلات تقنية الذكاء الإصطناعي في الصحافة ضربا من الجنون أو الخيال، لكن أخبركم أن هذه التقنية بالفعل بدأت تتسلل إلى غرف الأخبار وبرامج (التوك-شو) وبرامج الاقتصاد والنشرات الجوية حول العالم. ماذا لو كان للصحفي الفلسطيني مساعداً افتراضياً يقوم بمهمات الجمع والتدقيق والتحليل والكتابة وغيرها، يقومون بتحليل البيانات الضخمة، ويقدمون تقارير دقيقة وسريعة عن الأحداث الجارية. هذا يحدث فعلاً، ويحدث في بعض وكالات الأنباء العالمية والمحطات الكبرى.

لكن وبسؤال جدلي كما باقي القطاعات، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الصحفي الفلسطيني؟ دعونا لا نستعجل الإجابة، فالأيام لها ما تقوله نظرا للتطور الهائل الذي يحدث في كل ثانية وما تقدمه هذه التقنية في خدمة قطاع الصحافة والإعلام. فالذكاء الاصطناعي يمكنه الان تحليل البيانات وتقديم التوقعات، لكنه قد لا يشعر بالواقع الفلسطيني كما يشعر به الصحفي الذي يعيش بين أهله، وبين قصصهم، ويعبر عن معاناتهم وأفراحهم. الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يكون أداة قوية في يد الصحفي الفلسطيني، يساعده على التركيز على الجوانب الإنسانية في قصصه، ويوفر له الوقت لتحليل الأحداث من زوايا مختلفة.

فتقنية الذكاء الإصطناعي ليست قادرة على محاكاة الصحفي الفلسطيني وهو يصور وداع أمٍ في جنازة ابنها الشهيد ليأخذ الصورة الأكثر عمقا وإيلاماً علّها تهز كيان مجتمع دولي أصم أبكم، هل يمكن للذكاء الإصطناعي أن يستخرج حروف التعب والألم والقهر من طفلة فقدت أطرافها بفعل العدوان؟ هل يتفاعل الروبوت مع خبر ارتقاء زميل صحفي على البث مباشرة؟ قد تكون هذه المشاعر الإنسانية محظورة أمام الكاميرا لكننا بشر والقصص التي تصل إلى فكر وقلب المتلقي هي الأفكار التي تخرج من قلب وعقل منشئها وقارئها والأمثلة الحية كثيرة وقد لا يكون لمقالنا هذا متسع للحديث والإسهاب بها.

لكن في سياق آخر، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مفتاحًا لتقديم تقارير دقيقة وسريعة عن الأوضاع في فلسطين. تخيل نظام ذكاء اصطناعي قادر على جمع وتحليل البيانات من المصادر المختلفة في الوقت الحقيقي، وتقديم تقارير دقيقة عن الأوضاع الإنسانية، الاقتصادية، والاجتماعية. هذا يمكن أن يكون أداة قوية في يد الصحفي الفلسطيني، تعزز من قدرته على نقل الصورة الحقيقية للعالم.

ولكن، وكما هو الحال مع أي تكنولوجيا جديدة، هناك تحديات ومعيقات للتطبيق والاستخدام فالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بيانات، والكثير منها بيانات مصنفة ومعنونة ودقيقة. وفي فلسطين قد يكون الحصول على هذه البيانات صعباً أو مستحيلاً أحيانا لحساسية ودقة الظروف التي يمر بها شعبنا. كما أن هناك قضايا تتعلق بالخصوصية والأمان. لذا، يجب أن يكون هناك توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية حقوق الناس.

ومع كل هذه التحديات، تبقى تقنية الذكاء الاصطناعي فرصة كبيرة وعظيمة لتطوير الصحافة الفلسطينية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين جودة المحتوى، وزيادة سرعة ودقة التقارير، وتقديم رؤى وتحديثات جديدة ومهمة. وفي نهاية المطاف، الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الصحفي حتى الان، بل هو أداة تساعد الصحفي على القيام بعمله بشكل أفضل.

وفي الختام، يمكننا القول إن مستقبل الصحافة الذكية يحمل في طياته الكثير من الفرص والتحديات. ولكن إذا تم استخدام الذكاء الاصطناعي بحكمة وعقلانية، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على الصحافة الفلسطينية. يمكن أن يساعد في نقل قصصنا بشكل أكثر دقة وسرعة، ويعزز من قدرتنا على إيصال صوتنا إلى العالم. وفي الوقت نفسه، يجب علينا أن نبقى حذرين، ونضمن أن تظل الصحافة إنسانية أساساً، تركز على الناس وقصصهم. لأن في النهاية، الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل البيانات، لكن الروح الإنسانية هي التي تؤثر في الناس وتجعل الصحافة تستحق القراءة.