الأحد: 08/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

من يحكم ومن لا يحكم قطاع غزة بعد الحرب والقتال

نشر بتاريخ: 09/07/2024 ( آخر تحديث: 09/07/2024 الساعة: 20:13 )

الكاتب: د.سعيد زيداني

لا يحتاج المرء إلى فطنة خاصة أو ذكاء فوق العادي كي يدرك أن حكم غزة بعد الحرب والقتال هو شأن فلسطيني داخلي أساسًا. ويتعلل بالأوهام كل من يعتقد خلافًا لذلك أو يلوح بغير ذلك. ولن يحكم غزة بعد الحرب والقتال، بالتالي، إلا وطنيون فلسطينيون شرفاء، وطنيون مشهود لهم بالتزامهم الوطني، وشرفاء مشهود لهم باستقامتهم الأخلاقية. وفي اعتقادي الراسخ، لن يقبل الغزيون أقل من ذلك بعد كل هذه الدماء الكثيرة التي سالت وهذا الدمار المروع الذي حصل وتلك المعاناة التي يصعب التعبير عنها. وإذا كان الامر كذلك، فإن حكم روابط العشائر أو روابط القرى الذي تخطط له أو، قل، تتعلل به حكومة نتنياهو شبه الفاشية يظل بعيد المنال، يظل حلمًا في إسبانيا (كما يقال بالعبرية). فكما أفشل الفلسطينيون روابط القرى في ثمانينات القرن الماضي، فلن يجدوا صعوبة خاصة في إفشالها مع نهاية الربع الأول من القرن الحالي. وفي هذا الصدد يجب أن لا يفوتنا التمييز بين العشائر الوطنية وروابطها وبين روابط القرى، والتي هي الحلقة الأضعف أمام إغراءات القوة القائمة بالاحتلال. كما لن يقبل الغزيون بعد كل الذي حصل بحكم قوات حفظ سلام عربية أو دولية، تكون مسؤولة عن الامن والإغاثة وإعادة الإعمار، إذ أن القضية السياسية/ الوطنية تتعدى كل ذلك.

ومع نهاية الحرب والقتال يكون قد انتهى حكم حماس الحصري لقطاع غزة، أو أوشك على ذلك. ونهاية الحكم الحصري لحركة حماس لن يحصل فقط نتيجة لإنهاك قدراتها العسكرية وحصارها من قبل القوات الإسرائيلية الغازية، وإنما أساسًا نتيجة لسببين آخرين هما: الأول، لأنها تتحمل قسطها من المسؤولية عما آلت إليه أحوال قطاع غزة خلال الحرب التي بادرت لإشعال فتيلها؛ والثاني، لأن استمرار حكمها يعمل لغير صالح إعادة إعمار غزة بعد الحرب المدمرة، إعادة إعمار تحتاج إلى مبالغ فلكية من أموال عرب وغير عرب نافرين من حركة حماس وحلفائها في الإقليم (أقل ما يقال). ولكن نهاية حكم حماس الحصري لقطاع غزة لا يعني باي حال من الأحوال أن السلطة الوطنية الفلسطينية قادرة على حكم غزة بعد الحرب والقتال أو مرحب بها لهذا الغرض من قبل الغزيين، وكذلك من قبل الغزاة. فالغزاة يتهمون السلطة الفلسطينية بالتحريض والقصور وبملاحقتهم في المحافل والمحاكم الدولية، والأمريكان يتهمونها بالقصور والفساد الإداري والمالي، والمقاومة الإسلامية ومحورها يتهمونها بالتخاذل والتخلي، والعرب العاجزون من أنصارها غير قادرين على مساعدتها لتجاوز عجزها. والغزيون بدورهم غيرمتحمسين لها أو مرحبين بها. ولكن نهاية حكم حماس حصريًا واستبعاد عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة حصريًا، لا يتعارضان مع الحاجة إلى دعم ومباركة كل منهما لمن يحكم القطاع بعد الحرب والقتال. وقد يكون التوافق بينهما شرطًا مسبقًا لذلك. غني عن القول في هذا الصدد بأن الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة بعد الحرب والقتال ليس خيارًا جديًا من وجهة نظر أي من الأطراف ذات العلاقة بالحرب، بما فيها حكومة إسرائيل وجيشها (هذا إذا استثنينا مناداة أحزاب الصهيونىة الدينية بذلك).

نحو سلطة مؤقتة لحكم قطاع غزة:

ما أنادي به وأدعو إليه الآن، وعلى ضوء ما ورد أعلاه، هو ضرورة التوافق الوطني الفلسطيني الداخلي على تشكيل سلطة حكم أو هيئة وطنية لإدارة شؤون قطاع غزة بعد الحرب والقتال، سلطة حكم من الوطنيين الشرفاء، سلطة حكم، أو هيئة وطنية لإدارة شؤون غزة، تقبل بها وتباركها وتدعمها كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية (دون القيادة فيها لاي منهما) والدول الرئيسة المرشحة لتمويل إعادة الإعمار. أمًا مهام ومسؤوليات مثل هذه السلطة أو الهيئة المؤقتة فتتلخص بالتالي:

أولآ، توفير ألأمن والأمان لسكان القطاع ومحاصرة الانفلات الأخلاقي والأمني، وفتح المعابر البرية وعلى راسها معبر رفح الدولي، وتوزيع المساعدات الإنسانية والإغاثية على أسس سليمة وقويمة، وفي جميع انحاء القطاع.

ثانيًا، إعادة تأهيل المشافي والمدارس والجامعات والمحاكم والمعابد وشبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي.

ثالثًا، إعادة النازحين الى ما تبقى من منازلهم بعد إعادة تأهيلها، وتوفير أماكن سكن بديلة مؤقتة لمن دمرت منازلهم بالكامل.

رابعا، عقد الانتخابات للبلديات والمجالس القروية.

خامسًا، تحرص الهيئة/ السلطة المؤقتة المذكورة على التنسيق والتكامل بين المؤسسات العامة العاملة في غزة وقريناتها في السلطة الفلسطينية في رام الله، وإلى الحد الأقصى الممكن. كما وتحرص على التعاون الوثيق مع وكالة الأونروا.

سادسًا، يستمر عمل السلطة/ الهيئة المذكورة إلى حين تشكيل حكومة وفاق وطني أو إلى حين عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية أو للمجلس الوطني الفلسطيني، أيها الأسبق. هذا يعني، فيما يعنيه، أن إعادة التوحيد السياسي الحقيقي لشطري الوطن، قطاع غزة والضفة الغربية، لا يتسنى إلا بعد المباشرة في عملية ترميم الشرعيات الوطنية الفلسطينية، لا قبلها.

الأولويات الوطنية:

مما ورد أعلاه اردت التأكيد على أن الأولوية الزمنية ومن حيث الأهمية تكمن في خروج أو إخراج القوات الغازية وإغاثة غزة وإعادة إعمارها وإعادة بناء مجتمعها وسد الطريق على الترحيل القسري/ الطوعي الذي يتهددها. وإنجاز مثل هذه المهام الجسام وغيرها لا ينتظر التوافق على تشكيل حكومة وفاق وطني (قد تكون بدورها خلافية من وجهة نظر المجتمع الدولي) أو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية وتشاركية (وهذا يستغرق وقتا طويلًا إذا كتب له النجاح). علمًا بأن التوافق على تشكيل سلطة حكم مؤقتة في غزة يعتبر أكثر يسرًا، أو أقل عسرًا، من جهة، ولا يتناقض مع تشكيل حكومة وفاق وطني أو إعادة بناء منظمة التحرير على الأسس المذكورة من الجهة الأخرى. أضف الى كل ذلك، فإن سلطة حكم من الوطنيين الشرفاء، وحسب المواصفات المذكورة أعلاه، سوف تكون أقدرعلى تحقيق السلم الأهلي واستجلاب الدعم المادي وغير المادي اللازم من دول العرب وغير العرب لغرض إعادة إعمار بلد دمرته حرب غير مسبوقة فيما أزهقت من أرواح وفيما أجهزت عليه من بنيان، وفيما مزقته من وشائج إجتماعية.

وللإجمال أقول: للأسباب الواردة أعلاه، من الواضح أن حركة حماس أو السلطة الفلسطينية غير قادرة وغير مرحب بها لحكم قطاع غزة بصورة حصرية بعد الحرب والقتال. كما من الواضح آن الغزيين لن يقبلوا بحكم قوات حفظ سلام عربية أو دولية بعد تلك الدماء التي سالت والدمار الذي حصل للمكان والبنيان. وحكم روابط القرى غير وارد في جميع الأحوال، ومثله الحكم العسكري الإسرائيلي الذي تنادي به أحزاب الصهيونىة الدينية الفاشية. فبعد كل الدماء التي سالت والدمار الذي حصل، وبعد نزوح حوالي تسعين بالمئة من الغزيين من أماكن سكناهم (ومعظمهم نزحوا أكثر من مرة)، لا يستقيم حكم غزة بعد الحرب والقتال إلا من قبل الوطنيين الشرفاء من أبناء وبنات ألشعب الفلسطيني، وهم كثر. وأعتقد أن التوافق الفلسطيني الداخلي على تشكيل سلطة حكم مؤقتة لقطاع غزة هو البديل الأيسر والأجدر والاقدر على الرد السريع على تحديات ما بعد الحرب مباشرة. وباختصار شديد: تشكيل سلطة حكم مؤقتة تحظى على مباركة ودعم كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية والقوى الوطنية الأخرى هو ما أقترحه وأنادي به لحكم قطاع غزة مباشرةً بعد الحرب والقتال، وإلى حين تشكيل حكومة وفاق وطني تعمل على إعادة توحيد شطري الوطن وتجديد الشرعيات الوطنية الفلسطينية التي تداعت مع مرور الزمن وتتالي المحن.

سعيد زيداني

أستاذ الفلسفة في جامعة القدس وجامعة بير زيت سابقا

القدس، فلسطين

يوليو/ تموز ٢٠٢٤