الكاتب:
يونس العموري
وكان لهم ما ارادوا، وانتشر العسكر الذين غابوا عن المدينة لفترة من الزمن بكل الشوارع ، وكان التأهب والاستنفار، وأُغلقت الطرقات والازقة، وفي المساء اللطيف المنعش ، جلس الكل بالانتظار، كان البعض يلعن والاخر غير مستوعب لما يجري، ومنهم من يحاول ان يدافع عن عبثية اللحظة والمشهد، وفتية لأول مرة يشاهدون الجند الإحتلالي المدجج بالحقد والسلاح في ازقة وشوارع العاصمة ( الأسلوية ) بامتياز، المشهد كان متناقض وفيه الكثير من عدمية المرحلة وحقائقها، صاح احد الشبان انهم يقتربون اكثر واكثر... ، هاهم امام المقر العام لقوات الأمن الوطني، انهم يصعدون نحو التلة المشرفة هناك ... يتراءى المشهد وضوحا وتعود العاصمة بالمعنى الحرفي للكلمة خاضعة للإحتلال ليسقط بالتالي وهم السيادة، ولتسقط منظومة مفاهيم التسوية والالتزام بمواثيق اوسلو وواي ريفير وتفاهمات شرم الشيخ، ومنظومة اتفاقية باريس، وتلك المسماة بالتنسيق الأمني. والابادة ممنهجة في الشطر الاخر لهذا الوطن المنفصل المفصول عن الجفرافيا الفلسطينية الممزقة والمشوه بتشوه الاجتهادات السياسية .
وفي ظل المحرقة والمقتلة غير المتوقفة تجيء الاقتحامات المتكررة لعاصمة الوهم للحالة الفلسطينينة المتشظية لتعلن عن انتهاء عهد انتظار الأذن او التنسيق، وكأنهم يعلنون ان لا سيادة الا سيادة قوات عساكر بيت ايل ( قيادة الحكم العسكري الإسرائيلي ) ...
مما لا شك فيه أن التصعيد الإسرائيلي الأخير في الضفة الغربية، وفي رام الله تحديداً يمثل استعراضاً يقدمه رئيس حكومة الاحتلال للإسرائيليين، تزامناً مع اقتراب الانتخابات، حيث أن استهداف رام الله يشكل مادة دسمة يقدمّها نتنياهو للرأي العام الإسرائيلي، كونه يعتبر انتهاك السيادة الفلسطينية وإحراج القيادة الفلسطينية، يجعله متربعا على عرش التطرف مما يتيح له حصد المزيد من اصوات اليمين ويمين اليمين.
أن سياسة نتنياهو هذه قد تنقلب عليه وتتحول إلى ساحة مواجهة حقيقية وشرارة انتفاضة، نظراً لردة فعل الشباب واستعداده للتصدي والمواجهة في الشوارع التي شهدناها خلال الايام الماضية. ان توافرت اسباب التصدي والقرار الذاتي والموضوعي واخلاء الشوارع من سيطرة العسس واتاحة الفرصة لمن يقلب المفاهيم ومنظومة فعل السيادة والسيادة المضادة.
وكأنها سياسة فرض الامر الواقع في ظل سراب الحالة الفلسطينية الراهنة، وكأنهم باتوا يصدقون اننا نعيش في كنف الدولة العتيدة ذات السيادة، وكأن رام الله قد اضحت العاصمة او على الاقل هكذا يتم التعامل معها بكل اطرافها وبوسطها ومن خلال ما تشهده المدنية وما يتم غرسه بمنظومة المفاهيم الفلسطينية، وبالتالي أضحت خارجة عن سيطرة بساطير عسكر الاحتلال. او هكذا يعتقدون. ويأتيك من يأتيك ليقول ان الهدف من وراء هذه الاجتياحات يتمثل بتقويض الحالة االفلسطينية الراهنة وجرنا الى مربع العنف والعنف المضاد وقد يكون هذا صحيح وقد يكون ما يخطط له نتنياهو هو فعل الجر فعلا، ولكن لا يعني ذلك بالمطلق الاستكانة والتسليم بسياسة الامر الواقع وبالتالي التعاطي مع سياسات نتنياهو بذات الادوات والاساليب التقليدية السابقة. اذ انه لابد من إستحداث وسائل جديدة لوقف مخططات نتنياهو واعادة المبادرة للشارع وقواه وتشكيلاته وحسه الوطني بالمجابهة والمواجهة بعيدا عن القرارات السلطوية المقيدة والمكبلة بالاتفاقات وقوانينها والالتزام بها بالشكل النسبي.
رام الله المسكينة تحمل على كاهلها مسؤولية تتجسد بكونها عاصمة للحالة السرابية الفلسطينية، وهو الامر المنطقي والطبيعي في ظل حالة الضياع العامة وانفلات السيطرة، والسيطرة صارت مرهونة باجتهادات بعيدة عن وقائع الواقع وحقائقه حيث منهجية الأداء الفلسطيني الفاقد لإسترتيجية الخطة ذات الابعاد الفعلية والعملية لحقيقة المرحلة ومتطلباتها، فرام الله المتضخمة والحاضنة للمؤسسات الرسمية الفلسطينية بصرف النظر عن واقعيتها او وهميتها كان لها ما كان على حساب العاصمة الحقيقية للدولة الفلسطينية لدرجة ان القدس قد تراجعت من اجندة الاهتمام على مختلف المستويات والصعد وهو الامر الملموس والمحسوس بذات الوقت. وحيث ذلك باتت رام الله الناعمة الشقراء المخملية بالوعي الشعبوي الراهن مطلوب منها ان تعود الى خشونتها وتنزع عنها ثوبها الابيض الشفاف المتبخترة به بين المدائن الاخرى. ون تتصدى لإهانات الجند العبري القادم بهدف نزع كرامتها.
رام الله العاصمة كانت ان احتضنت برلمان منظمة التحرير الفلسطينية مثلا، وصدر عنه سلسلة قرارات سياسية كبيرة، مثل تجميد الاعتراف بإسرائيل لحين الاعتراف بدولة فلسطين، ووقف التنسيق الأمني والعمل بالاتفاقات الموقعة، وبينها الاتفاقية الاقتصادية وغيرها. وهي المدينة التي نعلم تعرضها اللحظي للإجتياحات بل ان كافة اعضاء القيادة الفلسطينية على مختلف المستويات والمواقع والقادمين الهيا من الخارج ما كان لهم ان يصلوا الى المدينة الا من خلال تأشيرات العبور والدخول اليها من خلال الموافقات الممهورة بالتواقيع من قبل سلطات بيت ايل العسكرية. فكيف لنا ان نصدق قرارات رام الله اللحظية. في ظل بالتالي فإن أمر الاجتياحات لرام الله المظلومة طبيعي من قبل رأس الدولة العبرية لإثبات ما يمكن اثباته من وقائع بورصة الانتخابات الاسرائيلية وبزار التطرف اليميني. بالتالي رام مظلومة وتظلم كل يوم من ذوي القربى اكثر مما تتعرض له من قبل الاجتياحات ووانتهاك مؤسساتها وشوارعها وازقتها.
رام الله تجتهد في محاولة منها لصياغة القرارات المتناسبة ورؤيتها بعيدة المدى، وغزة كانت قد اتخذت القرار بما يعزز بمناطحة الغول المتغول والقتل والتقتيل والحرق والتدمير وتعزيز مفاهيم امارة المقاومة ، وإيلياء العظيمة صامتة ساكنة منتظرة عند ازقتها نتائج كل هذا الضجيج. ولرام الله ان تبدأ الحكاية لتنتصر لأور سالم ان ارادت ذلك، وان كان القرار متوافق مع ارادة احرار المدينة الذين باتوا مظلومين كما هي مدينتهم الناعمة مظلومة.
وفي ظل خربشة الموازيين ومعايير الحق والباطل واختلاط الحقائق بعضها ببعض، تطل علينا الشعارات الكبرى التي لا يمكن فهمها واستيعاب حيثياتها ومفاهيمها بالظرف الراهن، حيث انقلاب هذه المفاهيم وتفريغها من محتوياتها. ولن يبقى في الوادي الا حجارته. ورام الله المظلومة بمكان ما وبزمان ما، والظالمة باللحظة الراهن كنتيجة طبيعية لحتمية واقعها لابد من ان تنفض غبارها وتلبس ثوبها الاجمل بكونها المدينة المحتلة المواجهة والمجابها لبساطير عسكر الاحتلال.