الكاتب: هبه بيضون
خلال انشغال العالم بغزة، استفردت إسرائيل بأسرانا البواسل في معتقلات الاحتلال، خاصة أولئك الذين تم اعتقالهم بعد السابع من تشرين أول 2024، حيث تفنّنت بأساليب التعذيب والتنكيل بهم، كما لم يسبق لها مثيل، لتثبت للعالم أنها سادية إلى أبعد الحدود، وعنصرية ولا إنسانية، وتستقوي على من لا حول لهم ولا قوة بسبب الأسر، كل ذلك في ظل صمت العالم، وتجاهله قضية الأسرى، الذي انشغل عنها بأخبار العدوان والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
إنّ ما تقوم به إسرائيل بحق الأسرى هو نوع من أنواع الإبادة الجماعية، لأنها ببساطة تستهدف حياتهم جميعاً ولكن بطريقة تدريجية وبطيئة، تختلف عن القصف والتدمير والحرق والاغتيال المباشر بمقذوفة أو صاروخ. فهي تقوم بتعذيبهم النفسي والجسدي، وتقوم بارتكاب المحرمات معهم، ويضع سجّانيها هدف عطب الأسير وتشويهه وإصابته بالعجز الدائم أمام أعينهم وهم يرتكبون جرائمهم بحقّهم، لكي يصبح التماثل للشفاء يحتاج إلى معجزة، ليكون الأسير عبرة لغيره ممن يفكّر بمقاومة الاحتلال، ولتقييد حركته الجسدية وقدراته الذهنية في حال خرج من الأسر، ليصبح إنساناً عاجزاً حتى عن التفكير.
لقد رأى العالم مؤخراً الأسير المحرّر معزّز عبيّات، الذي دخل المعتقل وهو وسيم، قوي البنية، منتصب القامة، وخرج منه بهيئة مختلفة، متعباً، مرهقاً، مريضاً، ضعيف البنية، منحني القامة من شدة التعذيب، غير قادر على التركيز ولا التذكر، لدرجة أنه لم يتعرف على والده وأفراد عائلته جرّاء التعذيب الوحشي الذي تعرّض له، كما أنه لم يعد يسيطر على بعض من أعضائه. وهو حالة واحدة من حالات كثيرة من المحظوظين من الأسرى الذي نجوا من براثن المعتقلات الرهيبة الشبيهة بالملحمة البشرية وهم يتنفسون، حيث أنّ هناك العديد ممن استشهد في الأسر نتيجة المرض والتعذيب والقتل الممنهج، ومنهم من استشهد لأنه لم يتلقّ العلاج اللازم لمرضه أو أمراضه المزمنة، ناهيك عن أولئك الذين استشهدوا من القهر بنوبة قلبية.
حال المعتقلات في "إسرائيل" فاق التصور، والتفنّن بالتعذيب فاق العقل وتجاوز كل الحدود والقوانين الإلهية والوضعية، فلا حقوق إنسان ولا محرمات ولا قوانين إلهية ولا معاهدات جنيف وغيرها تطبق، ولا فرق بين شاب وطفل ومسن وامرأة، فالجميع عند إسرائيل - الدويلة المصطنعة - يستحق التعذيب حتى الموت.
إنّ قضية الأسرى من أقدس القضايا الوطنية، ومن خلال هذا المشهد العام نرى أنّ هناك من هو خلف القضبان يعاني الأمرين، لمجرد أنه فلسطيني، وللأسف نقول بأننا جميعاً خذلنا الأسرى، ولم نستطع أن نقدّم لهم شيئاً إلّا القليل الذي لا يغيّر حالهم، ولا ينقذهم من عذاباتهم، ولا يعيد لهم حريتهم، كما أنّ هناك تقصير كبير من قبل الجميع بحقّهم، أقول الجميع دون استثناء، فلسطينيون وعرب ومتضامنون غير عرب ومنظمات دولية وغير حكومية ومؤسسات مجتمع مدني وأفراد وحكومات وأجهزة، حتى على مستوى إبقاء قضيتهم حيّة في مثل هذه الظروف.
لا بد لنا جميعاً من إعادة إحياء قضيتهم، بالتحدث والكتابة عنها، وتكثيف البرامج الإعلامية لإبراز معاناتهم ولإيصال صوتهم، ولا بد من التحرك على الصعيد الرسمي الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني والعربي على أقل تقدير للعمل مع دول العالم للضغط باتجاه إنهاء قضيتهم، لا بد من إقامة وتكثيف الحملات حول قضية الأسرى، لتتزامن مع الفعاليات التي تخرج نصرة لغزة، بل أن تكون هذه الفعاليات ثنائية المطالب، بخصوص إنهاء العدوان من جانب، وتحرير الأسرى من جانب آخر، ولا بد من الاستمرار في رفع ملفات الأسرى الى المنظمات والمحاكم الدولية المعنية، واستثمار المناصرين من المشاهير في العالم العربي والغربي لإلقاء الضوء على قضيتهم والمطالبة بإنصافهم الذي لا يكون إلا باستعادة حريتهم.
فالأسرى مسؤوليتنا جميعاً.