الأحد: 08/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحديات أمام تصعيد وتوسيع اشكال العدوان وضرورة الحفاظ على شعبنا ووحدة شقي الوطن

نشر بتاريخ: 13/07/2024 ( آخر تحديث: 13/07/2024 الساعة: 18:16 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

إن واقع سياسات دولة الاحتلال ورؤيتها لن يستجيب لأي حلول سياسية تنهي الاحتلال الأستيطاني ووقف عدوان الإبادة وجرائمها المستمرة غير المسبوقة في التاريخ الحديث للشعوب ومحاولتها احلال مشرعهم بدولة يهودا والسامرة بدل الدولة الفلسطينية . ولذلك ، يتوجب الحذر من رؤيتهم لمحاولة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والتي يفترض ان تشكل وحدة واحدة من اراضي الدولة الفلسطينية ، والانتباه أيضًا إلى عدم تكرار تجارب سابقة لم تؤدِ سوى إلى ما وصلنا له الآن، ليس لأننا نريد ذلك ، ولكن لأنه أصبح واقعا قائما بحكم التعاطي مع سياسات الولايات المتحدة السرابية وتنكر الاحتلال لكافة الاتفاقيات بل واعتبارها لاغية والانخراط في مناقشة مسارات حلول أمنية واقتصادية امام وصول المشروع السياسي لحالة الفشل بعد اتفاقية أوسلو وغياب أفق سياسي واضح يعتمد رؤى بديلة .

وقد أدى ذلك خلال الفترة الزمنية الماضية إلى التراجع في بنية جوهر مجتمعنا السياسي والأجتماعي والاقتصادي ، وغياب ثقافة الوحدة والعمل المشترك والرؤية الاستراتيجية الواضحة وما تتطلبه من برامج وأدوات لا تقبل التفسيرات المختلفة . الحرب والتوسع الإحلالي تبقى الخيارات الطبيعية للفكر الصهيوني ودولة الاحتلال المنفذة لهذا المشروع الاستعماري في فلسطين ، لن يردعها عن ذلك سوى موقف فلسطيني موحد وجهد عربي ودولي شامل قائم على المحاسبة والمقاطعة والعقوبات لوقف حمام الدم الذي تنفذه بحق شعبنا ، ليس بشكل مؤقت بل بشكل دائم وإلى محاصرة نظام الإستعمار الكولونيالي والأبرتهايد الإسرائيلي وتفكيكه وإنهاء الأحتلال عن كل الاراضي الفلسطينية لاقامة الدولة ذات السيادة .

من الواضح اليوم أن وجود جهد عربي او حتى دولي جدي لن يكون قائما إلا بعد ترميم البيت الفلسطيني على أساس الوحدة الوطنية لكافة مكونات شعبنا، دون اقتصارها على الفصائل فقط رغم أهمية دورها الكفاحي بل بما يضمن وجود المستقلين وقوى المجتمع الأهلي الإقتصادي والأجتماعي والاكاديمي وخاصة الشباب منهم ، وتطوير دور عنوان واحد يتحدث باسم الشعب الفلسطيني كله يتمثل بمنظمة التحرير التي لا يختلف اثنان على ضرورة تنفيذها لمراجعة نقدية لمسيرة السنوات الطويلة وتطوير أدائها وفقًا لصياغة استراتيجية وطنية يتم التوافق حولها بما تتضمنه ايضا من مراجعة ضرورية بعد انتهاء العدوان لمسار المقاومة منذ ٧ أكتوبر في غزة تبعا لما اعلنته من اهداف وما حققته منها ، وصولا الى اعتماد برامج وأدوات للوصول بشعبنا إلى الحرية والاستقلال الوطني حتى ولو تطلب الأمر التفكير خارج الصندوق المعتاد خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الذي يتهدده التجويع والتهجير والتطهير العرقي .

ليس هناك رئيس وزراء إسرائيلي واحد او حكومة لم يمارسوا الجرائم ضد شعبنا أو لم يعملوا على توسيع الاستيطان وضم المناطق ومصادرة الأراضي. كما ليس هناك من كافة الأحزاب الصهيونية في إسرائيل من يعترف بحق شعبنا الفلسطيني في تقرير المصير وبدولة مستقلة ذات سيادة فعلية ومتواصلة جغرافيا وقابلة للحياة والاعتراف بالمسؤولية التاريخية عن تشريد الشعب الفلسطيني على اثر جريمة النكبة وحتى اليوم ، فما المتوقع من اكثر حكومية ائتلافية صهيونية فاشية دينية ، مع اكثرية شعبية شبه مطلقة لا تدرك عمدا رغم أزماتها المتفاقمة مضمون مقولة "أن شعبا يضطهد شعبا اخر لا يمكن ان يكون هو نفسه حراً ."

ومن جانب آخر فاننا نحن الفلسطينيين نعيش حالة من التشرذم منذ فترة تسبق السابع من أكتوبر بوقت طويل في ظل ما سببه الانقلاب من انقسام وغياب للوحدة الوطنية والانتخابات البرلمانية التي من المفترض أنها بالحد الأدنى تعزز من الصمود والمواجهة والمشاركة الأوسع والأحترام الدولي ، وتسهل إدارة مفاوضات ترتكز على وحدة القرار خاصة المتعلق منها بما يسمى السلم والحرب ، وعلى القوة وامتلاك الاوراق لا على الأستجداء ، وعلى قاعدة وحدة الأرض والشعب وتفاصيل قضيتنا الوطنية الواحدة ، وعلى ما استجد من تعاظم التضامن الدولي الشعبي وحتى الرسمي مع شعبنا بعد السابع من أكتوبر الذي لن يكون فيه الزمن القادم كما قبله .

في السنوات الأخيرة، هناك استراتيجية أوسع للولايات المتحدة من مجرد إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون إيجاد حلول جادة وحقيقية لأساس الصراع المتمثل بالاحتلال الاستيطاني. حاولت الولايات المتحدة تحت إدارات مختلفة دفع ما تطلق عليه عملية السلام بيننا وبين إسرائيل من وجهة نظرها لكن دون تحقيق اي نتائج سوى تدوير اللعبة ، لتحقيق استراتيجيتها بتجاهل الحقوق التاريخية والسياسية الوطنية لشعبنا. اتفاقيات أوسلو وما تبعها في كامل ديفيد و واي ريفر وغيرهم على سبيل المثال، رغم أنها بدأت كمرحلة انتقالية نحو اتفاق سلام ، انتهت بتكريس الأحتلال الإسرائيلي وزيادة الأستيطان بدلاً من إنهائه بغض النظر عما ممكن اعتباره انجازا لنا وهو متواضع خاصة بشان عودة العديد من ابناء شعبنا وبدء عملية بناء مؤسسات وطنية ، ووصول حالة السلطة الوطنية الى واقع دون سلطة .

وبالرغم من وجود تبايانات شكلية في اداء الإدارات الامريكية المختلفة الا ان جميعها عمل من اجل تنفيذ استراتيجيتها وفق المتغيرات الدولية الجارية من أجل تحقيق مصالحها بمناطق العالم وبالمنطقة المتعلقة برؤية الشرق الأوسط الجديد الذي يضمن استمرار الهيمنة على كل مقدرات منطقتنا بل وبالاطار الأوسع جغرافيا وحماية إسرائيل والاضرار بكل القوى المعادية لسياساتها بالأقليم وعدم السماح لها بالنمو والتطور امام محاولة تطويع قوى اخرى تحت مطالب التغيير والتجديد ، تختلف في جوهرها ومقاصدها عن المطالبات الصادرة من جهات وطنية حريصة لتطوير اداء منظمة التحرير في اطار الحرص على استمرارها كممثل شرعي وحيد وبما لها من تراث كفاحي ومكانة تمثيلية بالمحافل الدولية وامام العالم .

واليوم وفي ظل تعقيدات المفاوضات الجارية حول وقف العدوان في اطار صفقة يتم التوصل لها حول انسحاب الأحتلال من غزة و الأسرى ومستقبل إدارة قطاع غزة ، تتزايد التكهنات حول تأثير التوجهات السياسية لكل من إسرائيل، الولايات المتحدة، والأطراف الإقليمية كما وتتضارب الأنباء بخصوصها .

فمن جهته اعتقد ان نتنياهو يسعى إلى تعطيل المفاوضات مع حماس في الوقت الحالي والأبقاء عليها في ذات الوقت ، لأسباب سياسية واستراتيجية ، حيث يواجه نتنياهو ضغوطا سياسية داخلية والأقتراب من التحقيقات والمحاكم في حال انتهاء العدوان ، بما في ذلك وجود معارضة سياسية وتحديات أمنية أمامه . تأجيل واعاقة المفاوضات قد يمنحه الوقت لتعزيز موقفه الداخلي وإظهار قوة وصمود أمام خصومه والاستمرار بالجرائم المرتكبة في غزة والضفة . بالإضافة إلى ذلك، فإن زيارته المرتقبة للولايات المتحدة وخطابه في الكونجرس بدعوة من الجمهوريين قد تكون جزءً من استراتيجية له لتعزيز الدعم الأمريكي بما فيه موقفه التفاوضي وما يمنحه ذلك من دعم سياسي قوي . ومن جهة أخرى فان تعطيل المفاوضات قد يكون وسيلة لزيادة الضغط على حماس والمقاومة ، لإجبارها على تقديم تنازلات أكبر اضافة الى ما تقدمت به حماس خلال الايام الماضية لتسهيل المفاوضات حرصا على وقف العدوان بعد اتساعه وحجم الاضرار الغير محسوبة سلفا ، لانجاح الصفقة وإمكانية استمرار وجودها كحركة سياسية بشكل جديد في مستقبل قطاع غزة الذي يتم الحديث عنه . يمكن أن تستفيد إسرائيل من هذا التأخير لتعزيز موقفها الأمني وتحقيق مكاسب استراتيجية أمنية رغم خسائرها البشرية والمادية وتفاقم أزماتها الداخلية .

كما وتبدو الإدارة الأمريكية ورئيسها جو بايدن غير مؤيدة لتعطيل المفاوضات ، حيث تسعى لتحقيق تقدم يمكن اعتباره مكسبا سياسيا كانجاز دبلوماسي يعزز موقف الحزب الديمقراطي بالأنتخابات القريبة ، كما ويساهم في الحفاظ على علاقاتها مع حلفائها بمنطقتنا ، وبما يحقق من استجابة لضغوطات اممية في محاولة لتعزيز صورتها الدولية المعمدة بمناهضة حقوق شعبنا وشعوب العالم .

ومن الجانب الآخر ، يبدو أن السلطة الوطنية الفلسطينية تتعرض لتهميش في المفاوضات الجارية من مجموع اللاعبين المشاركين ، مما يعقد الوضع السياسي الفلسطيني الداخلي والاضعاف المتعمد لدور المنظمة . الخلافات المستمرة حتى الان بين حركتي فتح وحماس يُضعف من تأثير السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة ، ويحد من قدرتها على التأثير في المفاوضات التي غُيبت عنها بالأساس على اثر الطريقة التي تعاطت معها مع بداية مجريات العدوان وفق حديث بان ما يجري بغزة لا شأن لنا فيه فغيبت هي نفسها . حيث ان بعض الدول الإقليمية مثل مصر والإمارات وقطر وحتى السعودية تلعب دورا أكبر في الوساطة ، مما يحقق لهؤلاء الاعبين الاخرين ادوارهم بالمنطقة مع الولايات المتحدة وحتى مع اسرائيل .

في ظل هذه المعطيات وورود لأسماء فلسطينية حديثا ليكون لها دورا بالمعادلات الجارية وفق المصادر الإعلامية ، هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تتبلور في الأيام القادمة بناءً على تفاعل هذه العوامل . قد تزيد الإدارة الأمريكية من ضغوطها على إسرائيل لاستئناف المفاوضات، مما قد يؤدي إلى توافقات مرحلية بين الأطراف المعنية . فقد توافق إسرائيل على استئناف المحادثات بشكل محدود، مما يسمح بالتقدم في بعض القضايا مع تأجيل القضايا الحساسة بما فيها إصرار نتنياهو على عدم وقف العدوان والانسحاب الكامل واستمرار السيطرة على معبر رفح وبعض المفاصل . وإذا رفضت إسرائيل الضغوط الأمريكية، قد يستمر الجمود الحالي ، مما يزيد من تصعيد مخاطر السياسات العدوانية الاسرائيلية وخاصة على الجبهة اللبنانية والضفة الغربية والاستمرار بها في غزة ايضا كما حصل في مجزرة المواصي اليوم .

يبقى التوصل إلى اتفاق حول إدارة قطاع غزة بدون إشراك السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل فعّال سيناريو محتملاً ، رغم أنه يحمل تعقيدات ومخاطر متعددة . إذا تمت المفاوضات بين إسرائيل، الولايات المتحدة، وبعض الأطراف الإقليمية مثل مصر والإمارات وقطر وحتى السعودية ، فإن السيناريو الذي يشمل تعاونا بين حماس وبعض الاشخاص التي تبرز اسمائهم قد يكون مطروحا وفق ما اوردته عدد من مواقع الاعلام خلال اليومين . في هذا السياق، يمكن لهؤلاء الاشخاص أن يلعبوا دورا وسيطا مستفيدين من دعم دولة الإمارات ومصر . حماس قد تكون مستعدة للتعاون مع هؤلاء الاشخاص إذا كان ذلك يضمن استمرار سيطرتها على غزة لكن بشكلها الجديد ويجلب موارد مالية ودعما دوليا . ومع ذلك، قد تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية هذه الترتيبات بمعارضة شديدة من جانبها ، مما يعمق الانقسامات الداخلية ويعقد الجهود المستقبلية لتحقيق وحدة وطنية منتظر البحث بها للمرة الالف في الصين .

في النهاية، تظل المفاوضات حول مستقبل إدارة غزة معقدة ومتعددة الأبعاد، مع وجود العديد من اللاعبين المؤثرين والمصالح المتباينة. تعطيل نتنياهو للمفاوضات، ودور الولايات المتحدة، والتحديات التي تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية من حصار مالي ومحاولة تقويض دورها ، واحتمالات تدخل شخصيات اخرى او ما تم الحديث عنه لإرسال قوة أمنية من ٢٥٠٠ عنصر ، كلها عوامل تساهم في تشكيل مستقبل القطاع المعقد .

ان تحقيق تقدم في هذه المفاوضات يتطلب توازنا دقيقا بين الضغوط الدولية والإقليمية، والمصالح السياسية الداخلية لكل من الأطراف المعنية لتحقيق استقرار طويل الأمد ، حيث ينبغي على الأطراف المعنية البحث عن حلول شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع والمتمثلة ببحث الموضوع الفلسطيني كوحدة واحدة نحو إنهاء الأحتلال اولاً بمشاركة جميع الفصائل والقوى الفلسطينية بشكل فعال من خلال مفاوضات برعاية دولية ترتكز على القانون الدولي والقرارات الأممية .