الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

منذ نشأتها- اسرائيل تعمل على تقليص كلفة الاحتلال ولا نية لديها بالحل

نشر بتاريخ: 14/07/2024 ( آخر تحديث: 14/07/2024 الساعة: 12:30 )

الكاتب: د. محمد عودة

في اغلب دول العالم هناك قوانين تنظم العلاقة بين المُوظِف والموظف (نتحدث هنا عن الافراد وليس الكيانات) وبما ان الموظف بالفتحة على الظاء عرضة لارتكاب الأخطاء والمخالفات فان القانون يتيح للمُوظِف اتخاذ جملة من الإجراءات العقابية المتنوعة مرتبطة بمواصفات المخالفات وتتراوح بين التنبيه مرورا بالحسم من الراتب وصولا الى الطرد والسجن وغيرهما.

لقد عملت إسرائيل على خلق الفرص او انتهاز كل ما هو متاح منها لخلق ظروف استثنائية وغاية في التعقيد بحثا عن وسيلة لإبعاد منظمة التحرير عن خط المواجهة وتحويلها من صاحبة مشروع وطني مقاوم على تماس مع الوطن الى كيان يعنى بتوفير مقومات الحياة لمنتسبيها واقتصار دورها على العمل السياسي والدبلوماسي المحدودين والهدف النهائي هو ايجاد وكيل يقلص كلفة الاحتلال ويوفر الوقت الكافي لتغيير كل شيء على الارض.

وكانت المحاولة الاولى حرب أيلول التي ادارها النظام الأردني وبالتنسيق مع الدول الغربية احدى هذه الفرص حيث التقت مصالح الطرفين في الحفاظ على دور النظام الوظيفي وإتاحة المجال لأردنه مؤسسات الدولة وبالأخص أجهزة الامن والجيش خوفا من سيطرة فلسطينية على مفاصل الدولة وإخراج المنظمة من الأردن الى كل من سوريا ولبنان مضاف اليه محاولة اختراق صفوف منظمة التحرير من خلال بعض العملاء المندسين بين مئات الضباط والجنود الذين انشقوا عن الجيش الأردني والتحقوا بالعمل الفدائي.

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد فمرة أخرى تقاطعت مصالح الانعزاليين في لبنان (الذين كانوا يخشون من إمكانية ان تستغل القوى الوطنية اللبنانية وجود المقاومة الفلسطينية للسيطرة على لبنان وانهاء التوزيع الطائفي) مع المصالح المشتركة لإسرائيل ورُعاتها في امريكا والغرب فتم افتعال الحرب الاهلية والتي اوجدت شرخا بين مكونات المجتمع اللبناني و المقاومة الفلسطينية وعندما فشلت الحرب الاهلية في ابعاد المنظمة عن حدود الكيان الشمالية عمدت إسرائيل وبدعم امريكي لا محدود الى احتلال لبنان وإخراج المقامة وابعادها الى ما يزيد على 3000 كم مما يصب في هدف تحويل المقاومة جسم يعمل ليل نهار على تامين دخل منتسبي المنظمة ومن اجل تسريع ذلك تم فرض حصار غير مسبوق على منظمة التحرير خاصة من الناحية المالية مما دفع القيادة الفلسطينية الى واقعية سياسية أيضا غير مسبوقة.

لقد وجدت هذه القيادة نفسها امام خيارين اما العمل ضمن إطار لا يعنيه كثيرا انجاز الدولة الفلسطينية وكان لك جليا في مؤتمر مدريد واما الذهاب الى خيار التفاوض المباشر وبنوايا صادقة لإنجاز سلام عادل وشامل. اما إسرائيل فقد انتهجت براغماتية تمويهية عبرت خلالها عن رغبتها في السلام وبعد التوقيع على مبادئ أوسلو كان ظاهرا للعيان ان قيادة إسرائيل فعلا تسعى للسلام لكن بعد اغتيال رابين تبين لنا اننا وقعنا بالفخ. وأن اسرائيل تسعى لتقليل كلفة الاحتلال عبر إيجاد وكيل الى حين تغيير الواقع بما يكفل غياب أي إمكانية لإقامة كيان فلسطيني.

ونتاج ملاحق أوسلو المتعلقة بالمرحلة المؤقتة والاتفاقيات الملحقة خاصة اتفاقية باريس وما له علاقة بجباية الضرائب من قبل إسرائيل لصالح السلطة الوطنية مما زود إسرائيل بوسيلة لممارسة كل اشكال الضغط على السلطة والتي ارادت إسرائيل( كمشغل) معاقبة هذه السلطة اذا ما ارتكبت مخالفة لمفهوم إسرائيل ،فهي أي إسرائيل تحتجز أموال الشعب الفلسطيني كوسيلة للعقاب ،إسرائيل ليست بحاجة الى ذريعة ومع ذلك فالذرائع جاهزة رواتب الاسرى والشهداء والجرحى الذريعة الأهم، فحجز الأموال يقلص قدرة السلطة على القيام بدورها من جهة ويؤلب الجمهور على سلطة غير قادرة على تلبية احتياجاته الأساسية.

اما السلطة ومن خلفها منظمة التحرير تحاولان التمرد على فكرة الاستخدام التي تعمل عليها إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الامريكية ومن راس المال اليهودي وقد نجحت السلطة الى حد ما نتاج صمود اسطوري من جيش الموظفين الذين تأقلموا مع نقص حاد في الأموال وقبلوا ولو على مضض بجزء من رواتبهم. وعليه فقد عمد الغرب وإسرائيل على المطالبة بإصلاحات في السلطة والحصول على شهادات حسن سلوك من اسرائيل ومن الغرب والهدف المعلن هو القضاء على الفساد(بمعنى التذرع باصلاح الفساد ،من خلال نتنياهو المتهم بخمسة قضايا فساد،وكما هو معروف فاقد الشيء لا يعطيه) اعتقادا منهم بان ذلك سيسهم في تحويل اي حكومة فلسطينية سواء حكومة الاصلاح الحالية او اي حكومة مرتقبة الى حكومة دورها وظيفي ضمن الرؤيا الاسرائيلية.