الأحد: 08/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

أنقذوا الوطن من الأدعياء

نشر بتاريخ: 14/07/2024 ( آخر تحديث: 14/07/2024 الساعة: 16:06 )

الكاتب:


برهان السعدي
هناك مصطلحات وكلمات وأفكار يتجنب الكتاب والمثقفون وحتى المنتمون من تداولها، خاصة إذا مسّت المقاومة والمسلحين الفلسطينيين الذين يطلق عليهم مقاومين. فتداخل الألوان وتحميل المصطلحات أكثر مما تحمله، وانحسار ثقافة المقاومة، إن لم أقل تلاشيها وانعدام وجودها، ونكوص فصائل العمل الوطني عن دورهم التثقيفي والتوعوي للقطاعات الجماهيرية والشبابية التي يمثلونها، هذا إن بقي فعلا من تمثله، شكل جميعه أسبابا لمفاهيم مأزومة وغير صحيحة.
ونتيجة ذلك، ظهرت فئات مندفعة متحمسة، تحكمها عواطفها الوطنية أو الدينية، ترفض الاحتلال، فتحاول التعبير عن ذواتها دون مرجعيات تنظيمية وطنية أو سياسية أو حزبية. فتصيب مرة وتخطئ مرات عديدة، ونتائج الأخطاء تنال من الوطن بكل مقوماته، ولا تنحصر في من يمارس الدور الذي يعتبره بطوليا.
وتكاد ظاهرة السلاح والمسلحين أن تنتشر في جميع مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية. وشكلت ظاهرة السلاح متلازمة في الأعراس والاحتفالات والجنائز. والبعض استثمرها في أعمال فردية في مواجهة قوات الاحتلال. والبعض اتخذها أسلوبا للتظاهر بوجوده في المخيمات وشوارع المدن والبلدات، معبرا عن نفسه بالمقاومة، فيطلق النيران تحت دعاوى ومسميات كثيرة. والبعض يقف على مسافة غير بسيطة من وسط حي مأهول بالسكان أو بجوار قرية أو من بين أزقتها وبيوتها، ويطلق النار على حاجز أو باتجاه مستوطنة أو بوابة على جدار الفصل.
والسؤال: هل يمكن لأحد من أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال أن يعلن عداءه للمقاومة وكنس الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، خالية من سوائب المستوطنين؟؟ بالتأكيد لا. لكن هل ما نشهده من مظاهر السلاح والمسلحين تشكل مقاومة؟؟ الجواب ليس بنعم أو لا. إنما للمقاومة شروطها وأشكالها، وإذا كان سير الحديث عن المقاومة المسلحة، لا بد من توضيح كثير من الأمور.
إن المقاوم لا بد أن لا يكون معروفا حتى لأهل بيته، فلماذا يحمل السلاح ويعرفه جميع سكان المنطقة أو المحافظة سواء باسمه أو تفاصيل سلوكه وأسلوب حياته وتنقلاته، فإذا عرفه غير المعنيين في الشارع الفلسطيني، فإن أجهزة أمن الاحتلال تكون أكثر دراية ومعرفة بتفاصيل هويته وحركته.
إن الثورة والمقاومة تنطلق من الأماكن الأكثر معاناة، والمخيمات الفلسطينية لا بد أن تكون حاضنة جماهيرية للمقاومة، لكن وجود المسلحين وظهورهم وتمترسهم في المخيمات التي لا يوجد فيها قواعد لجيش الاحتلال، يشكل دعوة وجذبا لأجهزة أمن الاحتلال وقواته لتداهم المخيم والأماكن التي يظهر فيها المسلحون، وهذا يشكل مبررا لحكومة الاحتلال التي يقودها نتنياهو باعتماده على مستوطنين حاقدين لا يحلمون بغير تدمير المدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية، وتضييق الخناق على أبناء شعبنا لطردهم وتهجيرهم للتسهيل عليهم في استكمال مشروعهم الاستيطاني.
إن مسلكيات المسلحين هذه، واعتقادهم أن مقاومة الاحتلال تنحصر بإطلاق النيران صوب سماء مستوطنة أو بوابة أو حاجز، تشكل عبئا على أبناء شعبنا الفلسطيني، فهدم المنازل والمتاجر وتدمير البنى التحتية للمخيمات أو البلدات الفلسطينية وتدمير الشوارع وجعلها نموذجا مصغرا وحقيقيا لبلدات ومخيمات شعبنا في قطاع غزة، ليست أسلوبا صحيحا للمقاومة. أما من يعتقد أن شعبه لا يكون مقاوما إلا إذا مارس الاحتلال بحقنا في الضفة الغربية ما يمارسه من عدوان همجي وحرب إبادة وقتل ودمار، فهنا تكمن الكارثة، فهو يعمل جاهدا على جلب قوات الاحتلال للتدمير.
وللأسف، إن قيادة بعض التنظيمات الفلسطينية خارج الوطن، تنتظر سماع بيان صادر من كتائبها أو سماع خبر من إعلام العدو أو عبر وسائل السوشيال ميديا لتبتهج بعمل مقاوميها، غير مدركة ما يدركه المواطن الفلسطيني الشاهد على الحدث، الذي لا علاقة له بالمضمون غير إطلاق النار صوب سماء حاجز أو مستوطنة من وسط أحياء سكانية.
إن ما حصل ويحصل في غزة من ردات فعل جنونية للاحتلال، جاءت تعبيرا عن فشل أذرعتهم ومؤسساتهم يوم السابع من تشرين أول، فكانت ضربة قوية وموجعة جعلتهم يفكرون بأن المرحلة المعاشة تتهدد كيانهم ووجودهم، وأن قوة ردعهم قد تلاشت، وأن منتجاتهم الصناعية العسكرية قد أظهرت رداءتها وفشلها في الامتحان مع مجموعات مسلحة، فكيف ستواجه حروبا مع دول. هذا عدا عن اعتراف جيشهم بأنه لا يستطيع إلحاق الهزيمة بقوات المقاومة في غزة إلا بعد عدة سنوات.
إن المقاوم لا يجذب جنود الاحتلال إلى مخيمه وبلدته ليشتبك معهم بين جماهير شعبه، فتكون النتيجة خسائر فادحة تلحق بأبناء الشعب وممتلكاتهم، وإذا حصل في غزة استدراج لجنود الاحتلال إلى مواقع للمقاومة، فهذا لكون جميع قطاع غزة محتل، مما يجعل المقاومة تستدرج قواته لكمائن معدة مسبقا، ولهم خططهم وأسلحتهم.
لا بد من جرأة في مواجهة الأخطاء المدمرة، ولتدرك قيادة فصائل العمل المسلح خارج الوطن، أن المهم هو حماية شعبنا، وكنس الاحتلال، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا يتناقض بالمحصلة مع مسلكيات المسلحين بتعدد انتماءاتهم التنظيمية.
بكلمة، إن الضفة الغربية مستهدفة أكثر من قطاع غزة، ومشاريع حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة بعناوينها أمثال سموترتش وبن غفير اللذين لا يفقهان في السياسة والحكم سوى القتل والتدمير كأسلوب لتوسيع الاستيطان وإحلال سوائب مستوطنيهم بدلا من المواطنين الفلسطينيين. لذا على جميع فصائل العمل الوطني المنضوية في إطار م. ت. ف والتي لم تنخرط في إطار المنظمة، أن تعي المخاطر المحدقة بشعبنا، وعليها ترويج مفاهيم ثقافية صحيحة، ولا تترك شارعنا الفلسطيني تحت هيمنة مجموعة من الشباب الذين إن أحسنا الظن فيهم نصفهم بالمتحمسين المندفعين وعديمي التجربة. وصدق المثل الشعبي اللي بستحي من بنت عمه ما بجيه أولاد.
وهذا يستدعي جلسات لفصائل العمل الوطني والمثقفين والكتاب والكفاءات والمؤثرين في مجتمعنا الفلسطيني كل في موقعه، لإنقاذ شعبنا، وحماية شبابنا من الجهل باسم المقاومة.