الكاتب:
بقلم اللواء متقاعد: أحمد عيسى
باحث متخصص في أبحاث الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي
أو بالأحرى هل وقف الفلسطينيون على الجديد الذي أدخلته الحرب على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
يفضل هذا المقال عدم التفرد في الإجابة وتحديد الجديد الذي أدخلته حرب طوفان الأقصى على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويرغب بالمقابل مشاركة اصحاب الراي في تحديد هذا الجديد، وذلك من خلال إثارة جملة من الأسئلة القابلة للتطوير والحذف والإضافة، لعل الإجابة عليها مجتمعة ومنفردة تساعد الفلسطينيين على تحديد الجديد الذي أدخلته الحرب على الصراع.
وعلى ذلك فهناك حاجة ابتداءً للوقوف على حقيقة الصراع ،لا سيما وأن عدم الوقوف على حقيقة الصراع الدائر في فلسطين وعليها الآن لا يقود الى الوقوف بصدق على الجديد الذي ادخلته الحرب على الصراع، الأمر الذي بدوره يهدر طاقة المجتمع ويعرض التضحيات الجسام والأثمان الباهظة التي دفعها الشعب حتى الآن والمرشحة للزيادة، للتبخر والضياع، فضلاً على أنه يعطل ويشوش فرص تطوير التدخلات المطلوبة فلسطينيا على ضوء هذا الجديد، وربما يجهضها.
أما حول المنظور الفلسطيني لحقيقة الصراع، فيبدو أنه هنا يكمن جذر المشاكل والأزمات فلسطينياً! فهل ينظر الفلسطينيون للحرب وللصراع من منظار واحد ومن زاوية واحدة؟ هل يرون أن الحرب قد أججت الصراع الداخلي فيما بينهم؟ أم دفعت الخلافات بينهم جانباً وفرضت عليهم التفرغ لمواجهة الإحتلال؟ وهل هي حرب أو صراع يخص مكون بعينه دون غيره من المكونات الفلسطينية؟ وهل يدرك الفلسطينيون كل الفلسطينيون أن الصراع الآن إنما يدور على وعي وعقول الفلسطينيين ووجدانهم قبل أن تبدو أثاره ومآلاته على ما تبقى لهم من أرض وعلى مستقبلهم وحياتهم على إطلاقها؟ وهل يدرك الفلسطينيون أن صرف الصراع الى غير ذلك هو إهدار لطاقة المجتمع وصرف لها في غير مكانها؟
وبعد الوقوف على حقيقة الصراع يمكننا الوقوف بثقة على الجديد الذي أدخلته الحرب على الصراع واستراتيحيات معالجته، وأول الأسئلة المطالب الفلسطينيين بتوفير اجابة عليها هو، هل ظلت مقاربة معالجة الصراع التي كانت فاعلة حتى ما قبل الحرب محصورة في مقاربة الحل الوسط او (المصالحة التاريخية) بين أطرافه؟ أم أن هذه المقاربة لم يعد لها مكان في الفكر السياسي الصهيوني وقد جرى أستبدالها علناً وليس سراً بمقاربة الحسم والإبادة؟
أما حول الوقوف على الجديد الذي ادخلته الحرب على المشهد الفلسطيني، فربما تساعد محاولة الإجابة على الأسئلة التالية الوقوف علي جُله أو بعضه، فهل قربت الحرب ونتائجها المتوقعة الشعب من تحقيق أهدافه بالحرية والإستقلال وتقرير المصير؟ أم زادت من ابتعاده عن تحقيق هذه الغاية؟ وهل وحدت الحرب الشعب الفلسطيني، أم عمقت من أسباب أنقسامه؟ وهل غيرت الحرب من إيمان أعمدة النظام السياسي الفلسطيني، بأن كل منهما هو الذي يملك حصراً ناصية الصواب وأن الآخر دائما على خطأ؟ وهل غيرت من نظرة كل منهما لرؤية الآخر لمعالجة الصراع؟ وهل باتت هذه الأعمدة أقرب للتسليم أن الوقت قد حان لتوحيد الرؤى؟ لا لإستعداء بعضها البعض؟ وهل بات الشعب أقرب الى تحقيق شعار، إستراتيجية واحدة ودستور واحد وسلاح واحد؟ لا سيما وأنه رغم الإنقسام إلا أن اعمدة النظام لا زالت ترفض الخروج على مقاربة الحل الوسط (الحل السياسي) للصراع؟ وهل بات إعادة بناء منظمة التحرير وتطوير دستورها حاجة وضرورة ربما وجودية للم شمل الفلسطينيين في وطن معنوي واحد؟ وهل ردعت الحرب وكلفتها الباهظة الفاسدين من الإستمرار في خداع الشعب وتصدر المشهد؟ أم لا زال سياج الفلسطيني خفيض ويسمح لهؤلاء بتصدر المشهد؟ وهل هناك تعريف جامع لمن هو الفلسطيني اليوم؟ وهل هناك معنى واحد للوطن لدى الفلسطينيين؟ ومن هم الفلسطينيون المجسدون لحقيقة الصراع اليوم على الأرض لا لجهة انتمائهم السياسي بل لجهة معنى الوطن بداخلهم؟ هل هناك ما يشير أن الحرب قد نجحت في دفع الشعب الفلسطيني ألى التخلي عن مقاومة الإحتلال؟ أم أن العكس هو الصحيح؟ وماذا حدث للفلسطينيين على مدى العقود الثلاثة الماضية أو بالأحرى ماذا أُحدث بهم خلال هذا الفترة حيث تشكلت خلالها عقولهم ووجدانهم وعلاقتهم بمجتمعهم ووطنهم وكل من حولهم؟ وهل تصلح إستراتيجيات مواجهة المشروع الصهيوني بنسخه الكلاسيكية والنيوصهيونية في مواجهة الصهيونية الفاشية والإبادية التي تحكم إسرائيل الآن؟ وهل يعيش الفلسطينيون الآن لحظة صراع فيما بينهم حول استراتيجيات وأيدولوجيات قد حان وقت أن ترث أحداها الأخرى؟ أم أننا نعيش لحظة التكامل والتشارك ما بين إستراتيجيات تبث حاجة الشعب لكليهما في مواجهة المشروع الصهيوني؟ وهل الشعب الفلسطيني حقاً بحاجة لتلك الروح والثقافة التي جسدتها المقاومة الفلسطينية خلال هذه الحرب؟ أم أن مصلحته تقتضي الخروج على هذه الثقافة؟ وهل من مصلحة الشعب الفلسطيني الآن لمواجهة الإبادة الخروج على أوسلو بما في ذلك رسائل الإعتراف المتبادل؟
ولما كان من الصعب الوقوف على الجديد الذي أدخلته الحرب على الصراع بالإكتفاء بقرائة المشهد الفلسطيني دون الوقوف على الجديد الذي ادخلته على كل مكونات البيئة الإسترايجية الفلسطينية وفي المقدمة منها المكون الإسرائيلي، فهل زادت الحرب من سرعة وتيرة تهاوي وفشل المشروع الغربي الصهيوني الإستعماري في فلسطين؟ أم زادت من سرعة وتيرة تحوله للفاشية والإبادية؟ هل زادت الحرب من إنقسام المجتمع الإسرائيلي؟ أم زادت من أسباب توحده على غاية إبادة الفلسطيني في فلسطين؟ وهل هناك ثمة احتمال لنجاح الإبادة في انقاذ المشروع الصهيوني في فلسطين؟ وهل زادت الحرب من ثقة المواطن الإسرائيلي (اليهودي) بقدرة الدولة على المحافظة على الوجود؟ أم قلصت من هذه الثقة؟ وهل زادت الحرب من نسبة الشعور بالأمن الشخصي لدى المواطنين الإسرائيليين؟ أم أفقدته الشعور بالأمن الشخصي؟ وهل زادت الحرب من نسبة المؤيدين للحل السياسي والإنفصال عن الفلسطينيين وأعطائهم حقهم باقامة دولتهم التي يريدون؟ أم قلصت من هذه النسبة للحد الأدنى؟ وهل فعلاً عرضت الحرب إسرائيل لتهديد وجودي؟ وهل مصدر التهديد الوجودي لإسرائيل هو عسكري وخارجي؟ أم أن الحرب قد كشفت أن فكر وسياسة الإئتلاف الحاكم هما مصدر التهديد الوجودي الأول للدولة؟
في الختام بقي مكونين من مكونات البيئة الإستراتيجية الفلسطينية هما المكون الإقليمي والمكون الدولي، ويفضل هذا المقال إرجاء الأسئلة الخاصة بهما للوقوف على صورة كاملة للجديد الذي أدخلته الحرب على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الى مقال آخر قادم.