الكاتب: جميل مطور
لا شك أن هناك العديد من القراءات لما يحدث بعد اندلاع نيران العدوان الاسرائيلي واستمرار الحرب البشعة حتى الآن ضد شعبنا سواء في قطاع غزة أو بقية الاراضي المحتلة بأشكال وصور لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ وما يرافق ذلك من تداعيات عديدة على كافة الاصعدة على المستوى المحلي أو الاقليمي او الدولي ان كانت تداعيات واثار مباشرة أو غير مباشرة على مسار القضية الفلسطينية وموقعها على أجندات دول العالم.
ومن المهم رؤية حقيقة المشهد الاسرائيلي كما هو وكما يبدو سواء على مستوى السياسات او آليات العمل والتنفيذ الاسرائيلية ومن يقف ورائها في دوله الكيان العميقة او حلفائها الاستراتيجيون وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية ومن يدور في فلكهم في هذا العالم الواسع غرباً وشرقاً.
ان رؤية وفهم حقيقة هذا المشهد مهمة جداً قبل الشروع في بلورة المواقف أو الرؤى أو التوجهات السياسية على المستوى الوطني الفلسطيني بكل اطيافه ومنابعه السياسية وبرامجه، فالثابت الوحيد في السياسة كما يقال هو المتغير وكما يقال فأنه لا يوجد في السياسة نوايا حسنة وشتان بين الاهداف والوسائل لدى صياغة أية برامج أو حراك هنا وهناك بل لابد من الادراك انه كلما اقتربنا اكثر من رصد وفهم ما يحدث وما يخطط له الطرف الاسرائيلي فإننا نقترب أكثر من التمحيص والتدقيق في توجهاتنا وبرامجنا وآليات عملنا سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي بعيداً عن العاطفة والارتجال والعشوائية لأن الصراع الحالي بلغ الذروة من الحدة والقسوة بين وجودين نقيضين لبعضهما البعض كما تثبت الأيام والوقائع دون لبس أو غموض.
يبدو واضحاً أن الاسرائيليون ماضون في سيناريو الحرب والعدوان ضد قطاع غزة وماضون في عدوانهم وحصارهم لشعبنا في الضفة الغربية والقدس، وماضون في تنفيذ خطتهم المعروفة بخطة الحسم مع الطرف الفلسطيني بقضه وقضيضه أرضاً وشعباً ورواية وحقوقاً دون هوادة، وهم بارعون في توظيف الديموغرافيا والجغرافيا في حربهم الشرسة ضد شعبنا من خلال آلتهم العسكرية أولاً ومن خلال اجراءاتهم وقراراتهم العنصرية والفاشية ثانياً وتضييق الخناق على شعبنا بكل مكوناته ونظامه السياسي وسلطته وفصائله ومؤسساته بل بات واضحاً أن الاهداف المعلنة لعدوانهم المستمر شيئ والاهداف غير المعلنة شيئ آخر، وليست قضية الاسرى والمختطفين الا قميس عثمان كما يقال وليس حديثهم عن محاربة ما يسمى بالارهاب حسب وصفهم الا مبرراً للاستمرار في عدوانهم وتنفيذ أهدافهم غير المعلنة ومنها قتل كافة عناصر الحياة في قطاع غزة وكي الوعي الفلسطيني والتطهير العرقي الممنهج بحق السكان من خلال حصاد أرواح البشر المدنيين دون هوادة وإعادة تشكيل خريطة وجغرافيا قطاع غزة وبالتالي قتل الأمل في حياه طبيعية على أرض القطاع وتمهيداً للهدف الأصعب وهو التهجير ودفع السكان لترك القطاع طوعاً أو قسراً وليس صحيحاً ما يقال أن المشكلة تكمن في موقف رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو الخائف على بقائه في الحكم وهذا صحيح ولكن ليس هو السبب الوحيد لأن هناك منظومة يمينية متطرفة يقف على رأسها نتنياهو تسعى الى تحقيق رؤية الدولة اليهودية من البحر الى النهر وبدون فلسطينيين أو بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين في أفضل الحالات، ويضاف إلى تلك الأهداف غير المعلنة بشكل صريح طبعاً ضم أراضي الضفة الغربية وإجهاض أية إمكانية لأي حل سياسي يستند إلى مبدأ حل الدولتين وفق الشرعية الدولية وتعكس مواقف وتصريحات العديد من قادتهم نيتهم لانهاء الكيانية الوطنية الفلسطينية ورموزها بكل معنى الكلمة وأقصى مدى يمكن أن يقبل به الاسرائيليون هو مجموعات سكانية فلسطينية تعيش في جزر معزولة بحكم ذاتي محدود سقفه السيادة والسيطرة الاسرائيلية على الأرض والمعابر والموارد الطبيعية والحدود واستبعاد أية حلول سياسية تستند الى الشرعية الدولية ومن نافل القول انهم لا يريدون حل الدولتين ولا يريدون أيضاً حل الدولة الواحدة على ارض فلسطين وهم في الواقع يريدون الاحتفاظ بكامل أراضي فلسطين بأقل عدد من السكان العرب وهذا يفسر سلوكهم الدائم بحق الأرض والانسان الفلسطيني ليل نهار عبر العديد من الإجراءات في الضفة الغربية وشرقي القدس من مصادرة للأراضي وتوسيع الاستيطان وبناء مستوطنات جديدة وهدم البيوت وتقييد حرية الحركة والبناء والعقوبات الاقتصادية وحملات المداهمة والاعتقال لآلاف الفلسطينيين وزجهم في غياهب السجون والسعي إجمالاً الى تحويل الضفة الغربية وشرقي القدس الى بيئة طاردة للسكان ومريحة للمستوطنين وخططهم وفرض أمر واقع يصعب تجاوزه بقوة السلاح أو الإجراءات التي يمسك بخيوطها المحتلون وأذرعهم العاملة من حكومة وجيش ومستوطنين وعصابات إرهابية وغيرهم.
إن عقيدة الصهيوني جابوتنسكي تحرك تلك المنظومة وتقف وراء مواقفهم المعلنة وغير المعلنة وليس هذا الجنون الفاشي بحق قطاع غزة وسكانه إلا تعبيراً واضحاً عن تلك الدوافع والاهداف وهم بذلك يجمعون بين شهية التوسع والاحتلال من جهة وبين شهية القتل والتدمير، ويلقون الدعم الكامل من حلفائهم في الغرب وفي مقدمتهم أمريكا وفي القلب منها تيار إيباك الصهيوني والمسيحية الصهيونية المتغلغلة في أوساط نظام الحكم في أمريكا وغيرها.
وبناءً على ما سبق وبالإضافة الى الكثير من التفاصيل والحقائق الأخرى والتي يصعب سردها في هذه المقالة فإن ملامح وعناصر ومضامين المشهد الإسرائيلي مرعبة وتشكل تحدياً مصيرياً ووجودياً أمام شعبنا ونظامه وقيادته الوطنية وكل مكونات شعبنا الأمر الذي يشعل ضوءً أحمر وبالضرورة أن يشعل هذا الضوء فينا إرادة التحرك لإعادة النظر في كافة خياراتنا وتوجهاتنا على نحو يساعدنا على عبور هذه المرحلة بشكل آمن بأقل الخسائر وبما يضمن بقاء قضيتنا أولوية على جدول أعمال العالم وهذا يتطلب من الجميع ودون تأخير إدراك ما يخطط ويحاك ضدنا بالعمل على إنجاز الوحدة الوطنية المتسلحة ببرنامج وطني وسياسي واضح ومقبول أولاً على شعبنا ثم على العالم المساند لنا وهذا لن يكون إلا بإنهاء الانقسام فوراً وتعزيز دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الوطني المتمثل في السلطة الوطنية الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس لأن استمرار الإنقسام لا يزال مصلحة اسرائيلية حتى الآن ومن لا يرى ذلك فإنه مصاب بالعمى السياسي ولعل موقف الإسرائيليون غير الواضح حتى الآن من وضع قطاع غزة فيما يعرف باليوم التالي للحرب إلا دليل واضح على نوايا الإسرائيليين وما صرح به زعيمهم نتنياهو اكثر من مرة عن قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الا دليل إضافي على ذلك ومن هنا فأنه لا مجال إلا بالسعي قدماً وبسرعة لإنهاء الإنقسام ووحدة الصف والرؤية الفلسطينية وقطع الطريق على المحتلين ومن يقف ورائهم لأن الإجهاز على الحلم الفلسطيني بالاستقلال وإنهاء الكيانية الوطنية باتت هدفاً مركزياً للمحتلين وعلى الجميع مغادرة مربعات المناكفة والتخوين والمزايدات والاعتراف بالأمر الواقع بأن المستهدف هو أولاً وأخيراً شعبنا وقضيتنا الوطنية وانه آن الأوان لدراسة وسائلنا وأهدافنا بشكل أعمق بما يخدم مصلحتنا الوطنية العليا وليس مصالحنا الحزبية ولا يجوز أن تكون المقدمات هي النتائج وكما لا يجوز أن تكون الوسائل هي الأهداف وإلا سنبقى بلا بوصلة ورؤية وبالتالي نشطب قضيتنا بأيدينا بينما تجدون بغاث الطير على أرضنا تستنسر.