الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما زال هنالك فرصة لإنقاذ أنفسنا حتى ولو ضاق الزمن بنا ووصلنا الى الصين .

نشر بتاريخ: 21/07/2024 ( آخر تحديث: 21/07/2024 الساعة: 12:06 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي



كتب الصديق زعل أبو رقطي في أحدى قصيصاته الممتعة ، "نكتب ، لنُخرج الصمت الذي بداخلنا ، ونحوله الى صراخ وضجيج يخترق الكون .. يا صمتنا المغلوب على أمرك .. لقد تعبتُ واتعبتنا " .

لربما ما قاله الأخ العزيز أبا فراس هو احد الأسباب التي تدعوني للكتابة المتواصلة هذه الأيام الصعبة ، لمحاولة إثارة بعض القضايا او ابداء الرأي الذي يحتملُ الخطأء أو الصواب في غياب المطلق ، أو لأنني ايضا اريد الصراخ لربما هنالك من يسمع لأجتهاد بالرأي من هنا او هنالك يكسر به حاجز الأعتقاد بأحتكار المعرفة والحقيقة ، او لأنني اكره الصمت من جهة اخرى ، فاصرخ مع غيري حتى لا يبقى أمراً مغلوب على نفسه ، فيصبح الكلام انتصاراً للرأي والحق .

اليوم ، وأمام كل ما يجري بنا ومن حولنا ، كثيراً ما يَجنَح بنا الوهم ، فنتمادى في تضليل أنفسنا وانا لست من غيرهم ، قبل أن نُمعن في خداع الآخرين غير متمتعين بفضيلة الصدق والصراحة ، عاجزين بالمطلق عن الاعتراف بالخطأ ، وتحمل المسؤولية التقصيرية عن ما وصلت له الامور ومن عدم مراجعة الزمن الذي رافقنا . ونُصر على تمويه الحقائق والتلاعب بالصورة، محاولين إخفاء عيوبها، عاملين على تجميلها مهما بلغت درجة قُبحها، أو على تزوير الحقائق الجميلة حتى تظهر قبيحة للغير . فباتت تصرفاتنا احياناً مرتبطة بمجتمعاتنا غير الناهضة في بعض جوانبها، بما فيها من مظاهر عنف وكذب وفساد وبطالة وجريمة ، رغم وجود ما هو مشرق بجوانب اخرى منها التي تواجه بالإحباط احيانا لأصطدامها بجدار احتكار الحقيقة حتى ولو لم تتسم بها .

نُحب أن نُصدق بأننا الأفضل والأنقى والأكثر براءة والأنصع بياضا من بين الجميع او حتى احيانا من شعوب الدنيا. ويطرح كلٌ منا نفسه في المنابر كأبن او ابناء بيئة فاضلة خالصة من الشوائب، وكأفراد ينتمون إلى مجتمعات او فئات على مختلف تكويناتها تتميز بثقافة بالغة الطُهر والعفاف والمثالية، خالية من كل آفات العصر وشروره ، فتتظاهر كل فئة او مجموعة انه ليس بينها من هو منحرف أو قاتل أو لص أو خائن أو متكسب أو مخادع او كاذب ، الكل فيها عبارة عن كائنات مثالية ، تعيش في وئام وتصالح، بالغة الطيبة أقرب إلى الملائكة لشدة كمالها، ولا ينقصها سوى أجنحة كي ترفرف بها هائمة بين الرضا والنور !

وكل ما يخص أية مجموعة وان كانت سياسية ، اجتماعية او تنظيمية كثقافة وسلوك هو فوق النقد ، وبالتالي فإن أية ظاهرة جديدة يتم الأصطدام بوجودها ، يتم اعتبارها مستوردة او كافرة ودخيلة علينا وعلى منظومة قيمنا وأعرافنا او تمثل أجندة خارجية . فنحن في أي مجموعة او فئة نعتقد أننا الأفضل والأصلح حالاً في كل الظروف ، لا نتقبل احيانا أبداع أحد وأجتهاده ، لأن الضعفاء منا يخافون ذلك فيتم محاصرة نجاحه وقتل أفكاره وأبداعه ، حتى اننا لا نترك مجالا للأيمان ، بأن من يعمل ويخطئ فله أجر ومن يصيب فله أجران .

والغريب أن الكثير من تلك المجموعات الإنسانية او الفئات بمختلف مسمياتها احترفت الخيبة وكررت التجارب وراكمت بعض الهزائم المتلاحقة عبر التاريخ التي أعتقدت بها نجاحات ، رغما من بعض المكتسبات التي كان يجب المراكمة عليها فتركت ولم تستكمل . فهي اي بعضا من تلك الفئات ما تزال تملك الجرأة من النفاق كي تُشعر نفسها بالتفوق والتميز عن الآخرين ، ولا يختلف حالنا في هذا السياق عن النعامة التي تغطي رأسها في الرمل متوهمة انها تحقق الأمان.

في حين أن نَظرة تتضمن قدراً من الجرأة والموضوعية ، تقودنا إلى الإعتراف بأن كثيرا من تلك الظواهر المؤسفة التي أصبحت واقعا حياتياً مرعبا ، هي ليست غزواً ثقافيا دخيلاً اقتحم حصوننا التي أعتقدنا انها منيعة ، وعاثت في عقول وضمائر الناس فسادا وتخريب ، بل هي نتاج محلي بامتياز وببراءة اختراع محلية ، كان بإمكاننا ان لا نصنعها او لا نسمح للغير بان يروجها بيننا ، رغم معرفتنا بان القلاع والحصون تُهدم من داخلها .

من هنا لابد أن نوسع دائرة التأمل والصدق مع الذات وفي حماية قلاعنا طالما ارتضينا ان نعيش جميعا في هذا الوطن الذي لا نملك سواه ، وبضرورة الشراكة في ظل الإختلاف ، كي نَخرج من الزاوية الضيقة التي ننظر إلى الآخرين وإلى العالم من خلالها، ويكف كلٌ منا عن طرح نفسه بهذا الشكل غير الواقعي كصاحب الحقيقة المطلقة .

واعتقد هنا انه لا بأس من إحداث صدمة أحيانا، وإعادة النظر في طريقة تفكيرنا كي نَتَنبه لما يدور حولنا من متغيرات وما يُخطط له الأعداء المستعمرين منذ قرابة المئة عام لعلنا نستفيق من خدرنا وأحلامنا الوردية وندرك مسار الضرورة للأمور قبل فوات الآوان . وان نبلغ درجة من الوعي والنضج الإنساني والفكري تؤهلنا مواجهة عيبونا ونقاط ضعفنا وهشاشة تركيبتنا من خلال الاعتراف بها اولاً ومعرفة من يعمل على هدم القلاع ، كي نَشفى من تَبعاتها وكي لا نكرر اخطائها وكي لا نسمح بان تهدم القلاع عن بكرة ابيها . وبالتالي نُسمي الأشياء بأسمائها، مُتَخلين على سبيل التغيير ، عن هذه الأزدواجية وهذه الباطنية التي تتحكم في سلوكياتنا بالكثير من الأحيان . حيث عندها فقط قد نستطيع التصدي لأمراضنا من تراجع إنساني خطير وطغيان بعض قيم السلبية ، او حتى مشاعر الحنين فقط لدى البعض لزمنٍ قد تغير دون ادراك خصوصيات الحاضر او التغيير . ان ما ساهم به الأحتلال بطرق مختلفة من انعدام مظاهر الوحدة والتكافل والتضامن الاجتماعي وتلاشي مبدأ المحبة من القلوب الآيلة للجفاف ، وتجاهل عذابات الآخرين ومعاناتهم او التشفي بها في اسوأ الأحوال ، أو سقوط البعض احيانا في فخ الكراهية والأحقاد بين الأفكار والسياسة والأديان احيانا وانتظار فرصة يرسمها الغير لنا لإحداث فتن سياسية ، مناطقية، إقليمية ، عشائرية او دينية هدفها إشاعة عداء كلٌ للآخر وإثارة النعرات ، تهدف الى تحقيق أهداف سياسية للمُستعمِر الغاصب قد لا نُدركها نحن في أوانها ، كما لا يُدركها بعض المُدعين او الناطقين الذين يُلحقون الضرر بنا . هذا هو الخطر الشديد الذي يداهمنا الآن ، فلندرك معاً الطريق الصحيح وأن مصالح البعض الخاصة او الفئوية الضيقة لا تحقق مصلحة الوطن العليا ، فما زال هنالك فرصة أمامنا حتى ولو ضاق الزمن بنا ، لأن الزمن قيمة لا تنتهي ، لإنقاذ شعبنا ومشروعنا التحرري الوطني الديمقراطي وفق قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية تحت عنوان سياسي واحد يتمثل باستقلالية القرار الواحد في زمن الحرب والسلم في اطار منظمة التحرير الفلسطينية كمكانة وعنوان ومكان واطار تمثيلي شرعي امام العالم ، مع ضرورة فهم وإدراك هذا الاطار الذي تنتمي له جميعا للمتغيرات الدولية والمجتمعية المحلية فيمارس بالضرورة منهج واساليب متجددة من العمل ، ويدرك فوارق الأجيال او تتابعها فيتعاطى معها دون اغفالها ، فلكل زمن دولة ورجال ، اما الوطن فيبقى في كل زمان . أطار يتجدد بحكم قوانين الطبيعة ومصالح الوطن ويعبر عن التاريخ والترات الكفاحي الذي انشئت منظمة التحرير من أجله ولأجل غالي التضحيات التي دفع شعبنا ومعنا أحرار من العالم من اجل مكانتها ومكانها ، وصونها من محاولات اسقاط القرار عليها ومصادرتها في مراحل مختلفة . لتكون المنظمة اطارا وحدويا لأستكمال قيادة مرحلة التحرر الوطني يتسع للجميع من أبناء شعبنا وفئاته الوطنية المختلفة السياسية والاجتماعية والاجيال الشابة بمهنج ديمقراطي يستمد قوته من الشعب الذي يجب أن يكون مصدراً للسلطات في كل الأوقات . هذا ليس حُلما بل واقعا ممكناً ان شئنا أن يكون ، وليكن لقاء الصين في هذا الإتجاه ، فالزمن لا ينتظر كثيراً . وحينها لن تنجح الصهيونية ومن بعدها إسرائيل الدولة الإستعمارية في الغاء الحقيقة الفلسطينية من التاريخ والوجود .