الجمعة: 18/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

عقد في المنشار

نشر بتاريخ: 25/07/2024 ( آخر تحديث: 25/07/2024 الساعة: 03:49 )

الكاتب: تحسين يقين

وتستمر المأساة الى أبعد مدى. من كانت له عيون فليبصر فعلا، ومن كانت له آذان فليسمع، ثم ليصغي من قلبه وعقله، في ظل وقف الحرب، كيف سيكون تقييم موقفه من نفسه وأهله وشعبه؟

مأساة كبرى يصعب وصفها، بل يصعب رؤيتها، ولولا ما نرى من تقهقر الجيش الغازي المدعوم من كل سلاح حلفاء الشرور، لازدادت وزاد التألم.

ثمة ضوء في اللوحة كثير السواد والرماد والاحتراق.

جعل غزة مكانا غير صالح للحياة، وتهجير جزء كبير منه، ومصادرة جزء كبير من الضفة الغربية ودفع الكثيرين للهجرة، هو هدف الحكومات الصهيونية المتتابعة، فحينما يتحدث رئيس حكومة الاحتلال عن ربط وقف إطلاق النار بتحقيق الأهداف الإسرائيلية، فمعنى ذلك واضح، وما سوى ذلك إلا كسب الوقت، فلا اهتماما حقيقيا بالأسرى الإسرائيليين، ولا بدود فعل أهاليهم.

إنها حكومات حرب، منذ نشأت، وهذا ما تعرفه، فهذه حكومة الاحتلال تصادق تمديد الفترة الإلزامية للجنود الاحتلال 36 شهرا للسنوات الثماني القادمة.

لذلك حتى لا نظل حبيسي فكرة أن صانع القرار في الحرب الجبانة على غزة هو نتنياهو، فإن نتنياهو ليس وحيدا، ليس فقط من خلال ائتلاف الحكومة اليميني، بل بالجيش وأجهزة الأمن، والذين لو قرروا غير ذلك لانصاع نتنياهو محدود الخبرة العسكرية أصلا.

هذا ما تعرفه حكومات الاحتلال، لكن ليس شرطا أن تتقنه، فلا ينتصر الغزاة دوما في الحروب كلها، فقد هزموا في معركة الكرامة، وهم الذين ظنوا أن شمس العروبة اختفت، فإذا حسمت الطائرات المغيرة حرب عام 1967، فليس معنى ذلك دوام انتصار الجيش الذي يقهر، تلك الأسطورة الكاذبة، والتي لم تمض بضع سنوات، حتى انكشفت، ومهما قيل عن حرب رمضان 1973، فالنتيجة معروفة.

والغريب أن مجتمع المستوطنين الإسرائيلي ما زال غير قلق بالأسرى بل فقط بالاقتصاد. إنه الاستعمار ليس أكثر.

إنه الرجل الأبيض حتى وإن ضم بين مستوطنيه ألوانا أخرى، تلك هي أهم نتيجة لحرب غزة، التي قلد فيها الرجل الأبيض هنا ما فعله الرجل الأبيض هناك؛ فتأمل بروتوكولات الحركة الصهيونية، يدرك أن الآباء الصهيونيين لم يفكروا طويلا في طرق الاحتلال، حيث اقتدوا بما تم هناك من إبادة للأمريكيين الأصليين، والذي صادروا حتى قوميتهم حين نسبوهم للهنود الحمر.

لا نسمع في إسرائيل إلا حكومة نتنياهو، وزارة الحرب، قادة الجيش الغازي، الموساد، الشاباك، فأية دولة احتلال هذه الدولة التي تجعل من شعبها جيشا غازيا، بدءا بعسكرة الأطفال.

تلك هي دولة الاحتلال، ومن سيظن يوما أن الولايات المتحدة (ستحنّ)، فنتذكر إبادة الأمريكيين الأصليين، مرورا بفيتنام، وما شهدناه في العراق وأفغانستان وغزة اليوم، حيث ما زالت القنابل ذات الطن والطنين تهدى لدولة الاحتلال لإبادة أهلنا في غزة، فهل هناك من تفسير آخر؟ لذلك لن تستح الولايات المتحدة من فعلها اليوم لأنها لم تستح أمس، فهل فعلا استحت من إبادة اليابانيين في هيروشيما وناجازاكي؟ وهل استحت فرنسا من إنشاء المفاعل النووي الإسرائيلي بعد بضع سنوات على إنشاء الكيان الصهيوني؟ هل فكر الفرنسيون ساعة كيف يتم منح دولة احتلال صغيرة سلاحا تدميريا شاملا؟

ولكن لعل العالم وشعوب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الاستعمار القديم الجديد، يستيقظ ضميرها الإنساني من السبات.

والآن بعد أن تفاءل الجميع بوقف الحرب، يطلع علينا نتنياهو بمطالبه التي تشكل عقدا في منشار مفاوضات الدوحة والقاهرة:

"4 مطالب "غير قابلة للتفاوض" في أي اتفاق مع "حماس"، وهي: العودة إلى القتال حتى تتحقق أهداف إسرائيل الحربية، ووقف تهريب الأسلحة إلى حماس من الحدود بين غزة ومصر، وعدم السماح بعودة آلاف المسلحين إلى شمال قطاع غزة، وزيادة عدد المفرج عنهم من الأسرى الإسرائيليين".

أولا العودة الى القتال: ليس قتلا حقيقيا بل قتلا للمدنيين الفلسطينيين، فبعد عام من الحرب، ما زالت المقاومة صامدة، وتطور من جيناتها لإطالة عمر صمودها.

ثانيا: أما وقف تهريب السلاح، فإننا هنا فقط نذكّر من نسي يوما، بأن معظم الأسلحة التي دخلت الى غزةـ يوما قبل الانقسام، إنما كان بغض إسرائيل عينها، لخلق ظروف سياسية تسمح لها بعدم دفع استحقاقات الاتفاقيات مع منظمة التحرير. إن من يريد السلاح لن يجد صعوبات في الحصول عليه، وسيظل التهريب مستمرا حتى من داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فلن تستطيع دولة الاحتلال وضع جيش وتقنيات على طول الأرض والبحر والسماء.

ثالثا: أما عودة المسلحين الى شمال غزة، فهذا أمر يثير السخرية، فهل يتحرك المسلحون فوق الأرض وتحتها بإذن الاحتلال أصلا؟ أم أن الحديث الصريح هو إخراج المقاومة من غزة كما حصل يوما في بيروت عام 1982؟

ورابعا: أما زيادة عدد المفرج عنهم من الأسرى الإسرائيليين، فإنه رغم أن هناك اتفاقا من قبل عن العدد، فإنه لو صفت نوايا الاحتلال، فإن من الممكن أن تكون هناك مرونة.

هي مناورات نتنياهو وفريقه، شرطان ملحان من أربعة، ثم ماذا؟ الحقيقة أنه ليس أمام نتنياهو إلا المضي قدما ليس فقط في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى في ظل وقف إطلاق النار، بل في تقبل ولو على مضض بقيام دولة فلسطينية، وليس فقط بحث إنشاء حكومة غير حمساوية في اليوم الثاني بعد الجلاء عن غزة. لقد صارت الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقدس عاصمة شرط أي تغيير سياسي في الصراع هنا، ومن ضمنه التطبيع.

رحم الله من قال يوما: إن الشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط.

واليوم لعلنا نعدل فنقول: في معادلة العالم، فهذه الولايات المتحدة التي صارت الدولة الأولى بعد حرب الخليج تصير خلال بضع سنوات فقط الدولة الثانية، حتى وإن احتمت بالناتو.

"وإن الحجر الذي أهمله البناؤون طويلا صار حجر الأساس"، قال ذلك ابن الناصرة سيدنا المسيح عليه السلام، الذي ما زال يقوم، وما زال الفينيق يعود، حتى بعد تكرر الاحتراق، وهذا سميح القاسم الحفيد ينبئ:

"لن تكسروا اعماقنا

لن تهزموا اشواقنا

نحن القضاء المبرم"

وهل بعد كل ما كان ويكون سيستسلم الشعب الفلسطيني؟

[email protected]