الكاتب:
المهندس محمد عبد السلام
وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن صباح اليوم السادس والعشرين من تموز 2024 مرسوماً رئاسياً، مستنداً إلى صلاحياته الدستورية في العلاقات الخارجية، بتمديد إقامة الرعايا من السياح الذين انتهت مدة إقامتهم، ومن المتهمين بقضايا جنائية والمهددين بالترحيل لمخالفة القانون أو من يعتبرون عناصر شغب أو مشتبه بهم في دعم (الإرهاب) والمهددين بالطرد والترحيل إلى لبنان وغيرهم من الفئات، وذلك بتمديد إقامتهم في الولايات المتحدة لمدة 18 شهراً إضافية بدواعي إنسانية بسبب الحرب على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
هذا التشريع جاء بعد يومين من خطاب رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتانياهو في الكونغرس، الذي كان مليئاً بالأكاذيب والكراهية والدعوة إلى إمداد دولة الاحتلال بمزيد من المال والعتاد "للتصدي لعدوان حزب الله على شمال إسرائيل" وتصفية جيوب المقاومة في غزة.
ولكن الاستقبال الفاتر ومقاطعة أكثر من نصف المشرعين من الحزب الديمقراطي ونائبة الرئيس كامالا هاريس لخطاب نتانياهو في الكونغرس والاستياء الكبير بعد الخطاب من المشرعين الذين حضروا مثل نانسي بيلوسي، ودعوة نائبة الرئيس بعد لقاء نتانياهو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والمطالبة بإنهاء معاناة الفلسطينيين وإدخال المساعدات فوراً، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين دون الإشارة إلى السجناء والمحتجزين الفلسطينيين، ودعت الجميع إلى الالتزام بخطة بايدن حتى يتمكن الإسرائيليون من العيش في دولة يهودية آمنة ورفع المعاناة عن الفلسطينيين وحل الدولتين دون تحديد حدودها وحق الفلسطينيين في تقرير المصير. كل ذلك لم يمنع نتانياهو من الكذب بتحقيق أهداف الحرب وأنه لم يتبقَ سوى القليل.
نتانياهو، وكما أشرت في الكلمة التي ألقيتها أمام جمع من عشرات الآلاف في مسيرة واشنطن المناهضة لزيارة نتانياهو والمطالبة باعتقاله، "إن نتانياهو جاء إلى أمريكا لطلب المزيد من الأسلحة وطلب الموافقة على توسيع دائرة الحرب لتشمل الجبهة الشمالية واستمراريتها على الجبهتين، متمنياً فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة لمساعدته على تحقيق حلمه بضرب إيران، الشيء الذي ترفضه إدارة بايدن حالياً".
يتضح من المرسوم أن إدارة بايدن، وللمزايدة على الجمهوريين في الكونغرس، أو أنها استلمت الرسالة من نتانياهو بأنه ماضٍ في خطته لاستمرارية الحرب على قطاع غزة كحد أدنى إلى ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية عشية يوم الخامس من نوفمبر. فإذا نجح ترامب في الانتخابات، فستستمر الحرب على غزة والمناوشات على الجبهة اللبنانية حتى ما بعد 20 يناير 2025 واستلام ترامب الحكم. وهناك سيكون أحد الخيارين:
1. أن يضغط ترامب على نتانياهو ويوقف الحرب، وهذا يظهر ترامب بمظهر الرجل القوي على الساحة الدولية والذي استطاع وقف الحرب على عكس إدارة بايدن، ويعيد محادثات التطبيع مع السعودية ويرغمها على التوقيع والتطبيع مع الكيان. وإن رفضت سيهدد برفع الحماية عنها ويتركها فريسة لإيران كما يشيعون، ويرغمها على قبول حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وغزة لأنه يرفض الإقرار بأن القدس الشرقية ستكون جزءاً من الحل باعتبارها العاصمة الموحدة الأبدية لدولة الاحتلال.
2. أن يقنع نتانياهو ومعه الجمهوريين في الكونغرس من دعاة تدمير إيران مثل السيناتور ليندسي غراهام، ترامب بضرورة السماح لإسرائيل ومساعدتها المباشرة وغير المباشرة في ضرب إيران بحجة دعمها للإرهاب ولإضعاف قوى محور المقاومة المساندة لغزة، وبهذا تتحول الحرب إلى حرب إقليمية وربما عالمية لحماية هذا الكيان اللقيط.
لا همّ لنتانياهو سوى حماية نفسه من المحاكمة ودخول السجن، وكل الحوارات الجارية بخصوص صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ووقف إطلاق النار وإلى آخر المطالب والنقاط العالقة ما هي إلا كسب للوقت عند نتانياهو. وليس عنده ذرة من الإحساس أو الاهتمام بحياة الأسرى الإسرائيليين أو حياة الفلسطينيين لأنه لا يعترف بوجودنا أصلاً، وإن استشهد في غزة يومياً 50-100 شخص فهذا يصبح شيئاً طبيعياً يندد العالم به ولا يستطيع فعل شيء أمامه سوى العويل والصراخ.
وبناءً على ما ذكر، فعلى الفلسطينيين بكافة فصائلهم وأطيافهم أن يتوحدوا في السياسة كما في الميدان وأن يتحزموا بالتضامن الشعبي الفلسطيني أولاً، والتضامن الشعبي العالمي ثانياً، والذين أديا إلى تآكل الدعم الغربي لدولة الاحتلال واعتراف بعض الدول الغربية بدولة فلسطين.
كما على السلطة الفلسطينية أن تكف عن ملاحقة واعتقال وقتل المناضلين الفلسطينيين نيابة عن الاحتلال، وأن لا تتحول أجهزتها الأمنية إلى قوات لحدية بدلاً من حماية شعبنا من قوات الاحتلال وهجمات قطعان المستوطنين، وإطلاق العنان للمقاومة بكافة أنواعها وعلى رأسها المسلحة في الضفة الغربية ضد قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين.
كما أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي ولدت من رحم الثورة ومن أبناء شعبنا، مطالبة بالتمرد على قرارات قادتها الأمنيين في اعتقال ومطاردة المناضلين، هؤلاء القادة الأمنيين الذين ارتبطت مصالحهم الخاصة مع الاحتلال. إن شرفاء أبناء الأجهزة الأمنية، وهم أبناء الوطن والغالبية العظمى التي التحقت بالأجهزة الأمنية من أجل لقمة العيش، عليهم التفكير ملياً بممارساتهم غير المسؤولة والتي لا تُشرف أحداً، والتي كان آخرها محاولة اعتقال قائد كتائب طولكرم أبو شجاع من مستشفى ثابت في طولكرم. إن استمرار الانصياع لأوامر قياداتها في استعراض عضلاتها على شعبنا بدلاً من الاحتلال ومستوطنيه، ستواجه حتماً إذا ما انطلقت الشرارة الكبرى في الضفة الغربية، ستواجه مصير العملاء والشنق على أعمدة الهاتف والكهرباء كما حصل في الانتفاضة الأولى المجيدة عام 1987
الأمور في منطقتنا تسير نحو التعقيد وليس الحلول. شعبنا يستحق الأفضل ولا خيار أمام كل القوى سوى الوحدة والتوحد، وإلا ستحاول قوى الاستعمار وعملائها من المحليين والجيران فرض حلول لن نقبلها وسيستمر حمام الدم الفلسطيني.
* رئيس شبكة المنظمات الفلسطينية الامريكية.
* عضو المجلس الوطني الفلسطيني- الولايات المتحدة الامريكية.
تنويه: هذا المقال يعبر عن موقف شخصي، ولا يعبر عن موقف شبكة المنظمات الفلسطينية الامريكية.