الأحد: 08/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

جولة مستهلكة للمصالحة الفلسطينية في انتظار نهاية الحرب

نشر بتاريخ: 27/07/2024 ( آخر تحديث: 27/07/2024 الساعة: 10:54 )

الكاتب: حميد قرمان

كسابقاتها من جولات المصالحة عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعا لها في العاصمة الصينية بكين، وكالعادة خرج بيان صحفي صادر عن الاجتماع بذات المفردات والخطاب المستمد من بيانات الاجتماعات السابقة.

في الشرق الأوسط، وخاصة في البلاد التي يتغلغل فيها النفوذ الإيراني، يكون الحوار بين الأطراف والأحزاب السياسية لا معنى له، فتجربة الحوار بين الفرقاء السياسيين في لبنان بعد حرب تموز عام 2006 فشلت أمام سياسات ومساعي حزب الله التي هدفت إلى السيطرة على مفاصل الدولة لتحويلها ورقة بيد النظام الإيراني لتحقيق أجنداته ومصالحه.

ومثل لبنان، كان العراق الذي تكرّس به نظام طائفي يخدم ذات النظام ومصالحه، بعد أن استغل وجود الاحتلال الأميركي ليكون بديلا له بميليشيات طائفية استحوذت على قرار العراق ومصيره، وكذلك اليمن الذي سخّره الحوثي من خلال الصراع الداخلي بعد سقوط الرئيس علي عبدالله صالح، وانعكاس ذلك على استقرار منطقة الخليج العربي خدمة لنظام الملالي في طهران.

على الساحة الفلسطينية، قادت إحدى أدوات إيران؛ حركة حماس، انقلابا دمويا أدى إلى مقتل 700 فلسطيني عام 2007، فانسحبت السلطة الفلسطينية من القطاع، وجمّدت حركة فتح نشاطها منعا لإراقة المزيد من الدماء الفلسطينية.

وبعيدا عن تداعيات هذا الانقلاب، واستغلال إسرائيل، خاصة منظومة بنيامين نتنياهو اليمينية، له في إحباط إقامة الدولة الفلسطينية على مدى العقدين الماضيين، خاض الفلسطينيون حوارهم العقيم بتهرّب مستمر من حركة حماس من استحقاقاته المتمثلة بتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، وإنهاء حكمها الذي كان مسلطا على رقاب الشعب الفلسطيني في غزة بالحديد والنار، وجلب عليهم حروبا أعادت القطاع إلى عصور الظلام، كما أعاد حزب الله لبنان، والحوثي اليمن، والميليشيات الإيرانية العراق وسوريا، آلاف السنوات إلى الوراء.

اليوم تدرك جميع الأطراف مرور حماس بأزمة وجود وبقاء، فالحرب نالت من عناصرها وقواتها، وتنامى عجز قياداتها في الخارج لإيجاد تسوية تبقي حكمها للقطاع، وقصور إستراتيجيات طهران في إنقاذ محورها من خلال منع اتساع رقعة الحرب، وضعف الوسطاء أمام التعنت الإسرائيلي والانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، جعلت الحركة تتجه مضطرة نحو الداخل الفلسطيني لإيجاد مسار سياسي عبر مصالحة فلسطينية يحقق لها تمثيلا شرعيا وتواجدا مقبولا بالحد الأدنى بعد انتهاء الحرب.

بالعودة إلى البيان الصادر من بكين حول اجتماع الفصائل الفلسطينية، الخالي من آليات وإجراءات حقيقية لتنفيذ بنوده في ما يتعلق بدخول حماس إلى منظمة التحرير وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني، فإن بيانات المصالحة السابقة استخدمت ذات اللغة والعبارات الرنانة، وبقي حال الانقسام كما هو، فليس مطلوبا تدوير جولات مصالحة لخلق نموذج استهلاكي منها يدفع لإنتاج نظام محاصصة بين الفصائل الفلسطينية، بل المطلوب إنهاء الانقلاب بتسلم السلطة لقطاع غزة تمهيدا لمعالجة ملفات تداعيات الحرب، وهو ما سيشكل أرضية صلبة للبدء بعملية سياسية تنتج عنها انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني.

حماس إن كانت صادقة في نواياها بالتوجه نحو الداخل الوطني الفلسطيني بمصالحة حقيقية، يجب أن تقطع الطريق أمام مخططات اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، بالحفاظ على الكيانية السياسية الفلسطينية، والابتعاد عن فلك الأجندات الإيرانية، والتجاوب مع ما تطرحه السداسية العربية في سبيل وقف الحرب، وعدم انتظار ما ستحمله الأيام القادمة خاصة مع ازدياد فرص عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإبقاء الرهان على مستقبل مجهول مبني على حسابات أدوات المحور الإيراني لتحسين رؤى أو شروط التفاوض لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، سينتج نظاما سياسيا فلسطينيا مشوّها لن يحقق تطلعات الشعب الذي دفع ثمنا كبيرا في سبيل تحرره بدولة مستقلة.