الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل الدم الفلسطيني رخيص لهذه الدرجة أم هو غالٍ عزيز ؟!

نشر بتاريخ: 28/07/2024 ( آخر تحديث: 28/07/2024 الساعة: 17:45 )

الكاتب: وليد الهودلي

الدم الفلسطيني رخيص ولا قيمة له عند الإسرائيلي العنصري الفاشيّ المتوحّش، لا اعتبار له ولا حساب، هو مستباح يوغل به ويسرف في سفكه كيف ما شاء، لا يعتبره دم آدميّ له حرمة أو ذمّة أو احترام، يسفك هذا الدم بسبب أو دون سبب أو لأتفه الأسباب، لا يحتاج أن يفكّر قبل أن يستبيحه ثانية من الوقت، لا يستحقّ ذلك ولا داعي لأن يشعر بوخزة ضمير أو رفّة قلب أو تنتابه رحمة أو شفقة أو أيّ شعور من شانه أن يشعره بخجل أو وجل أو رجعة تفكير تعكّر عليه مزاجه.

أنت أيّها التوراتيّ المبجّل مخوّل من قبل الربّ ومن يتحدّثون باسم الربّ في ملّتك بهذا الدمّ، لا غبار عليك ولا ما هو أدنى من الغبار أن تتصرّف به كما يحلو لك وأن تسفكه بالطريقة التي يهواها قلبك الجميل، أو إن شئت أن تتفنّن وتتلذّذ وتترنّم وتنتشي كيفما شئت وحيثما شئت ووقت ما شئت، فقط أن تلبّي نداءات مزاجك أو إن أحببت أن تسفك هذا الدم من أجل المتعة فقط لا غير فلا عتاب ولا حساب عليك، بل لك كلّ الاحترام والتبجيل والتقديس.

لك أن تكون سبابتك رخوة على الزناد ومطلق صواريخ ذات الألفي رطل، لك ان تطلق كلبا متوحّشا على مسنّة أو أن تتركه يلتهم فلسطينيا معاقا أو أن ترمي بحممك من مسيّراتك ذات المتفجّرات التي تحرق أو تقطّع الأجساد أو تنسف المربعات السكنية والابراج وانت تنظر إلى ساكنيها وهم يتحوّلون إلى هباء منثور، لك أن ترسل كل قذائف الموت بأشكالها وأحجامها وفسفورها أو ذات اليورانيوم المنضّب الذي يبقي الموت فيها لعقود قادمة.

أنت الانسان المقدّس الذي يحقّ لك أن تتصرّف بالدم الفلسطيني قتلا وتعذيبا ومتعة وترفيها ونزوة وترقية وتعظيما، بسفك هذا الدم تتقدّس وتتبارك وتسمو وترتقي وتتعاظم وترتفع إلى عليين اليهودية والتلمودية والصهيونيّة والانسانيّة الغربية الامريكية العظيمة. أنت عظمة إسرائيل وعظمة الرب تتجلّى فيك وخلق الله لك الفلسطيني كقطعة حلوى تلوكها بين أسنانك الجميلة كما يحلو لك. ولهذا الدم المسفوك بيديك المباركتين الشرف العظيم أن كُتب له أن تحلّ عليه بركتك وقداسة سرّك العظيم وأن يحظى بهذا السفك الجليل على يديك المقدّستين.

لقد اتفقوا على هذا الدم، اتفقت الصهيونية المدلّلة الجميلة مع الامّ الرؤوم الصليبية العتيدة على الخلاص منك، اتفقت دول عظمى بجبروتها العسكريّ وبما تحمل من أصالة وعراقة تاريخيّة مجيدة وبما أنتجت من حضارة انسانيّة عظيمة، اتفقت مع وليدتها المرفّهة المنعّمة الموكّلة بمصير المنطقة وشروق شمس قادمة من الغرب، اتفقا على الدم الفلسطيني، لم يقف عائقا لحكمتهم السياسيّة ولا لروحهم الحضاريّة ولا لغاياتهم الانسانيّة السّعيدة إلا هذا الدم الفلسطيني، قالوا لا بدّ من سفكه والخلاص منه حتى تسير السّفينة، سفينة الحريّة وسعادة البشريّة. فإمّا أن يكون الدم غربيا صهيونيّا أو أن يكون مستباحا مسفوكا بطن الأرض أولى به من ظاهرها.

لهذه الدرجة كان هذا الدمّ الفلسطيني رخيصا على هذا العدوّ البغيض اللئيم.

ولكنه في ذات الوقت غال عزيز بل هو الأغلى والأعزّ لأنه دم حرّ، توحّد وتجذّر وتعملق وأبى الدنيّة ورفض الذلّة ورفع شراع الحريّة، ركب سفينة نوح وطود موسى العظيم وسار في ركاب سيّد المرسلين من فرقان بدر إلى فتح مكّة وتبوك والقادسيّة، حمل في جعبته إرث اليرموك وحطين وعين جالوت، سارت في دمائه دماء الثلّة المباركة التي انتصرت على الجاهليّة العربيّة ولقّنت الدروس للصليبيّة ودحرت التتار وكلّ جحافل الشرّ والعبوديّة.

الدم الفلسطيني توحّد على الحريّة ووحد كلّ أحرار البشريّة، الدم الفلسطيني بهذه الروح ولأوّل مرّة وحّد الكلمة العربيّة والاسلاميّة في محور يأبى الذلّة والتبعيّة، من عمق جحافل الفرقة والتشرذم وضياع الهويّة كانت كلمة السرّ، دماء الشهداء توحّدنا وتجمع كلمتنا وتجعلنا روحا واحدة وصخرة عصيّة تتحطّم عليها كلّ قوى الشرّ ومعاول باطل البشريّة من أمريكا إلى هذه الصهيونيّة.

هي إذا دماء الشهداء التي هبّت رياحها من غزّة الابيّة وجبل عامل العصيّة واليمن الزكيّة والعراق النديّة، لقد اجتمعت دماء الشهداء واتخذت القرار، وحدة الدمّ هي وحدة القرار هي وحدة الكلمة، لقد توحّدت الغايات والخطط والبرامج والتضحيات.

هذا الدم الغالي العزيز لا يراه رخيصا إلّا هذا المحتل المعتلّ التافه المجرم التافه الحقير.

هذا الدم الغالي العزيز لا يستهين به إلا من هو منحلّ عن أصله ضالّ سفيه هو إلى المحتلّ أقرب وإلى المهانة والذلّة أمرأ وإلى العدوّ أدنى وأقرب.

هذا الدم الغالي العزيز هو رمز رفعة أمّة وأساس نهضتها وقوام كرامتها وهو الذي يمهّد الطريق إلى مجدها ونصرها وعزّتها وتحقيق سيادتها وبنيانها الحضاريّ العظيم.

هذا الدم الغالي العزيز هو الذي يوحّدنا وهو الذي يرفع رايتنا وهو الذي يلهمنا رشدنا، هو البوصلة وهو خارطة الطريق وهو النور التامّ الذي يشق طريق الغافلين والمرجفين ودعاة الهوان وترك السلاح والارتداد على الاعقاب من منتصف الطريق.

هذا الدم الغالي العزيز هو كلمة السر لحياة أمّة وبعثها من جديد: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).