الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
والتسحيج بالفصحى هو التقشير او الحك بقصد التقشير او هو ما ينشأ عن الخدش بالظفر او نحوه، اما التسحيج بلهجتنا الفلسطينية الباذخة المتنوعة والتي تتميز بكثير من المرح و الدقة، فهو التهليل والتطبيل بقصد النفاق او المجاملة، ولهذا فان التسحيج مذمة في اغلب الاحيان، ولكنه ضرورة اجتماعية او اكثر في كثير من الاحيان ايضا، ولك ان تختار بين ان تكون سحيجا فتدخل او ان لا تكون كذلك فلا تدخل .
ويبدو ان التسحيج هذا عرض او مرض يصيب الناس جميعا، لا فرق بين عربي او اعجمي الا بالكيفية او الكمية، فليس جماهيرنا هي التي تهتف او تصفق دون تدبر او تبصر، وليس برلماناتنا هي التي تبصم دون ان تدقق او تحقق، فهذا كونجرس امة الامريكان التي خصها الله بالنشاط والابداع كما وصفت عند بعض المؤلفين او المنظرين، الذين اضافوا ان حضارة الامريكان تقوم على الحريات الفردية والحقوق المدنية وانها ضد الظلم والاستغلال، المهم، ان(كونجرسهم) هذا سحج اكثر من 50 مرة وقوفا لرجل مطلوب للمحاكم الإسرائيلية بتهم الفساد وخيانة الأمانة ومطلوب للمحاكم الدولية بتهم الابادة الجماعية وغيرها، سحج هذا الكونجرس لكل جمله قالها نتنياهو بغض النظر عن كذبها او مناقضتها للواقع او معارضتها للقانون الدولي، سحج الكونجرس لكل ما قاله نتنياهو بشان استمرار الحرب وتواصل الاحتلال ورفض التسوية واحتقار المحاكم الدولية واتهام كل شيء في الكون دون ان يتحمل مسؤولية اي شيء .
ان منظر التسحيج بحق كان منظرا منفرا ومزعجا ومخيبا للآمال . اذ ان هذا الكونغرس المبجل الذي يدعي الحفاظ على السلم و المساواة والحقوق، اثبت انه لا يؤمن بذلك ولا يطبق هذه المبادئ الا اذا كانت في مصلحته ومصلحة نظامه، كان ذلك التسجيج تعبيرا عن تأليه القوة و البلطجة والتطرف و العنصرية والعمى والتعصب الديني المهووس، كان ذلك التسحيج اعلانا لكل العالم ان بعض ممثلي الجمهور في امريكا يرفضون القرارات الدولية والمحاكم التي تشكل ضمير العالم، وانهم يدعمون المذبحة في فلسطين ولا يريدون معرفه التفاصيل ولا التاريخ، كان ذلك التسحيج تعبيرا عن الحنين للاستبداد والتمييز بين البشر، فليس كل البشر يحق لهم الحياة و الحرية والكرامة، وليس كل الشعوب تستحق الدولة و السيادة، وليس كل انسان يشبه اخوته الاخرين في الانسانية، كان التسحيج دعوة الى معاندة العالم ووقف حركة التاريخ، كان ذلك التسحيج اعلانا ان هؤلاء يريدون كسر الحصار عن زعيم مخاصر دوليا ومتهم عند جمهوره ومذنب دولي في المحاكم العالمية، كان هذا التسحيج يعارض كل هؤلاء ويصر على رؤية زعيم قوي كاريزماتي يمثل قوة الاوهام والاحلام، كان التسحيج لخطاب منتزع من نصوص توراتية عليها خلاف في التفسير التأويل، فاليهودية طبقات واجتهادات و الصهيونية ليست اليهودية بأية حال من الاحوال، ولكن المسحجين اعتبروا نتنياهو وكأنه ملك اسرائيل قديم يقاتل العماليق ويريد ابادتهم .
كان التسحيج قويا ومتواصلا وليس لمجرد زعيم اجنبي يخطب امامهم ،بل كان التسحيج من القوة والحماسة وشدة الصوت الى درجة يمكن القول معها انهم يصفقون لصاحب البيت وليس لمجرد ضيف عابر، كان التسحيج يقول ان نتنياهو والقضية الإسرائيلية عموما هي قضية يومية في امريكا وليست مجرد قضية خارجية، كان التسحيح اخيرا _ بكل ما احاط به من اخراج مسرحي وسينمائي_ تعبير عن قوة اللوبي اليهودي الصهيوني في امريكا، بحيث استطاع هذا اللوبي تجنيد كل هؤلاء ليس من اجل التسحيج فقط بل من اجل ادعاء كل هذا الحب وهذا الحماس.
اخيرا، برأيي ان الكونجرس بكل هذا التسحيج وكل هذه الحفاوة قد اوصل رسالته باقوى ما يمكن لكل العالم ولكل فرد في المنطقة العربية و الاسلامية ان اسرائيل لا تقاتلنا ولا تعتدي علينا وحدها ، وهي رسالة لن تفلح في ارساء السلام او الاستقرار في بلادنا ، اسرائيل تغرق في عدوانيتها، كما امريكا تغرق في غبائها وعمائها.