الكاتب: عواد الجعفري
شهد السبت الماضي حدثان بارزان: الأول مجازر إسرائيلية في قطاع غزة أبرزها مجزرة مدرسة خديجة في دير البلح، والثاني الانفجار الذي وقع في بلدة مجدل شمس بالجولان السوري المحتل.
وزارة الصحة في غزة أفادت بارتقاء عشرات الشهداء في هذا اليوم، بينهم أكثر من 36 شهيدا، ضمنهم 15 طفلاً فصلت رؤوس بعضهم عن أجسادهم، بينما كانوا في المستشفى الميداني داخل مدرسة خديجة التي كانت تؤوي آلاف النازحين.
تقع المدرسة ضمن المنطقة "الإنسانية الآمنة" التي أعلن عنها جيش الاحتلال أخيراً في غرب دير البلح، ودعا النازحين إلى التوجه إليها.
إذن، ثمة عناصر قوية تقتضي نشر القصة الإنسانية التي تفطر القلوب والتوسع في تغطيتها. ماذا فعلت كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية؟ تجاهلت القصة ولم تشر لها حتى بنبأ عاجل يتضمن حفنة من الكلمات.
لكن، وفي مساء اليوم ذاته، ما أن وقع الانفجار في مجدل الشمس، حتى انهالت العواجل وتوسعت هذه الوسائل ذاتها في التغطية. طبعا، الاهتمام الغربي جاء لأن إسرائيل هي التي أعلنت عن سقوط الضحايا والحدث وقع في أرض تسيطر عليها، فظن هؤلاء في الغرب أن القتلى إسرائيليون، ولم ينسوا بالطبع تبني رواية تل أبيب فوراً دون أدنى تمحيص.
نزعم أن وسائل الإعلام الغربية ما كانت لتهتم بالخبر لو عرفت في البداية أن الضحايا عرب، ولما أفردت هذه التغطية الموسعة للحدث أصلاً. الجانب الآخر في الحكاية هو الجهل، فصحافيو هذه المؤسسات في أحسن الأحوال محدودي المعرفة، والغريب أن بعضاً من بني جلدتنا يعتبرهم "خبراء في شؤون الشرق الأوسط".
ما تفسير تجاهل إعلام الغرب عموما مجزرة مروعة في غزة والتركيز على مجدل شمس (للأسباب المذكورة في الأعلى)؟ القصة طويلة. يقول الغرب إنه بهزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية عام 1945 دفن العنصرية وأفكار التفوق العرقي، مثل أن العرق الآري يتصدر هرم الأعراق البشرية، وما دونه "أقل حضارة". هذه الأفكار العنصرية صارت جزءاً من التاريخ، بحسب الغرب.
هتلر لم يكن مجرد دكتاتوراً أشعل حرباً قتلت الملايين، بل يحمل أيضاً نظرية تفوق عرقي، أتت امتداداً لكثير من النظريات العنصرية في الغرب، وكان "الفوهرر" واضحاً في عنصريته. بعد الحرب العالمية الثانية، بشّر الغرب بنهاية العنصرية تماماً وبداية المساواة بين البشر. في الواقع العنصرية بقيت وتصنيف البشر على أساس عرقهم ظل على حاله لدى أهل الغرب، غير أن ذلك لا يُقال صراحة. أُعلنت المبادئ لكن الوقائع تكذّبها.
يظهر ذلك في تمييز مآسي البشر، فمقتل طفل غربي أو إسرائيلي له الأولوية، في المقابل، مقتل مئات الأطفال الفلسطينيين والعرب ليس شيئاً يستحق النشر.
عندما تسأل أي مسؤول أو باحث أو مناصر غربي لإسرائيل: ما الذي يربطكم بها؟ ما الذي يجعلكم تحبونها إلى هذا الحد؟ الجواب الذي لا يملًّون من تكراره هو: إسرائيل تشبهنا. إنها امتداد لنا، فنظامها ديمقراطي. في الحقيقة، إسرائيل ليست ديمقراطية، كما يصوّرها الغرب، وهي تسير منذ سنوات طويلة نحو الاستبداد، كأنها دولة من العالم الثالث، في ظل عهد "الملك بيبي"، الذي لم يكن لديه مشكلة في "تقويض الأسس الديمقراطية لإسرائيل" في قصة التعديلات القضائية، التي تعني تغوّل السلطة التنفيذية وبقاءه حاكماً مطلقاً إلى الأبد.
إذن، ما الذي يجمع إسرائيل والغرب؟ الجواب يوضح مسألة مدرسة خديجة ومجدل شمس.