الكاتب: عوني المشني
الكلام كثير وبحر الكلام لا ينضب ، والاهم عندما يكون بدون كلفة . الكلام يأتي مرة مباشرة ومرة تأويلا ، وحينا يأتي صريحا وفي اغلب الاحيان مجازا ، كلام ظاهره حرصا وباطنه في احيان كثيرة اما غيرة وغيظا او حقدا ونقمة .
فاجئت سبعة اكتوبر الجميع بلا استثناء ، حتى انها فاجئت في بعض منها من اجترح هذا الفعل المعجزة ، ولكن اشد الناس مفاجئة هم الذين رهنوا انفسهم لاعداءهم ، تفاجئوا لان احد الاوهام التي عاشوا عليها دهرا ان هذا العدو عصي على الهزيمة ، فوق شبهات الهزيمة ، خارج معادلات الهزيمة ، ولهذا اختاروا علنا او سرا التحالف الذيلي معه ، وربما لان نظريتهم هذه سقطت بسقوط ما حول غزة فقد كانوا اشد تألما ، وحتى لا نظلمهم فان المهم هذا ليس على اعداءهم بل على نظريتهم التي آمنوا بها وجعلتهم يصطفون في الخندق الاخر تماما .المفاجئة الثانية هي قدرة المقاومة على التكيف والصمود في حرب غير متكافئة تماما لأكثر من ثلاث مائة يوم ، وكانت تلك الضربة القاصمة التي قضت تماما على اوهامهم ، فالوهم الثاني الذي عاشوا عليه ان سبعة اكتوبر هي ضربة حظ وان الهجوم الاسرائيلي سينهي المقاومة تماما وبالتالي تنتعش اوهامهم من جديد ، ولكن " العتمة لم تأتي على قد يد الحرامي " ، صمدت المقاومة وقاتلت واستبسلت واثبتت انها على قدر التحدي .
بعد ذلك اخرج المحبطون الواهمون أسلحتهم المستهلكة والمتهالكة ، الحرص على شعبنا في قطاع غزة حينا ، ومحور الشيعة الإيراني حينا ، والتخوف من التهجير ، ….. الخ من هذه السمفونية المشروخة ، وفي مثل هذا الكلام بعض من حق ولكن في سياق خاطئ تماما ، فيه جانب من الحقيقة ولكنه يتجاهل جوانب الحقيقة الأخرى بل ويقفز عنها ، فيه بعض من المشروعية ولكن يتم توظيف هذا البعض لتكريس وضع ليس له شرعية مطلقا . أنصاف الحقائق تغدوا خطأ مطلق ، ونصف المنطق يتحول إلى لا منطق تماما ، والمشروعية التي تكرس وضع غير شرعي هي الخطيئة الكبرى تماما .
ولاننا نقتدي بنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يقول " كل بني ادم خطاء و خير الخطائين التوابون " ، ولاننا نفترض حسن النوايا او نريد ان نغض الطرف عن سوء النوايا المؤكدة ، ولاننا نعتقد جازمين بان الدائرة الوطنية تتسع للجميع حتى للذين في في فترات فقدوا بصرهم وبصيرتهم ، فاننا نعتقد ان هناك فرصة ، فرصة للمراجعة والتراجع ، هناك فرصة قد لا تتكرر ، قد لا تتكرر لان هناك متغيرات تعصف بكل ما هو قائم ومفاعيل تلك التطورات لن تبقي البنى السياسية كما هي عليه الان ، الحروب الكبرى تنتج متغيرات نوعية ، هذه هي جدلية الحروب والسياسة . وما كان مستحيلا يصبح بالضرورة ممكنا بل وربما مفروضا .
هذه الحرب تصنع المستقبل ، وما كان يحتاج لسنوات تختصره الحروب إلى ايام وربما ساعات ، والكلمة في مكانها ووقتها اقوى من الرصاص ، وامام الخيارات الاستراتيجية الكبرى فان المواقف لا تحتمل التأويل او الضبابية ، هناك مكان واحد صحيح وما دونه كل الأمكنة خاطئة . والتاريخ لا يرحم ولا يحتمل التبرير .
نحن هنا امام متغير استراتيجي ، متغير من دم وابادة وارادة وصبر وصمود ومقاومة ، متغير لا يعترف بالمواقف الخجولة ، لا يعترف بالمواقف الضبابية ، لا يقبل التبرير والتأويل ، اما انحيازا وبالكامل لشعب ودون ذلك كل الأمكنة خاطئة وكل الكلام كلام وكل التبريرات تصبح " عذر اقبح من ذنب " .