الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاغتيالات من وجهة نظر الإسرائيليين والفلسطينيين

نشر بتاريخ: 06/08/2024 ( آخر تحديث: 06/08/2024 الساعة: 10:05 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض




عبّر ما نسبته 69% من الجمهور الاسرائيلي عن موافقته على الاغتيالات وذلك في استطلاع للرأي نشرته احدى الوسائل الاسرائيلية مؤخراً، وربما كانت من المشاهد القليلة التي نرى فيها الجمهور الاسرائيلي يوزع الحلوى بعد اغتيال اسماعيل هنية في سلوك شديد المحلية غير معتاد.
والاغتيالات حسب الرؤية الاسرائيلية مهمتها نشر الذعر واشاعة الارتباك وإدخال الصدمة على القلب ، الاغتيالات – حسب الحركة الصهيونية التي مارست هذا السلوك منذ ثلاثينيات القرن الماضي- تدفع الى الخوف والخوف يدفع الى الاعتدال أو الانزواء أو الاختباء أو تغيير الاتجاه أو تغيير السلوك أو القادة أو كل ذلك مجتمعاً، الاغتيالات كما ترى المنظومة الأمنية الاسرائيلية تعمل على التشويش ومنع التواصل وعرقلة التراكم في التجربة و الامتداد العمودي والأفقي للفكرة والثبات في الاتجاه ، قتل الزعيم أو القائد – برأي هذه المنظومة- هو هدم وإنهاء للفكرة وصاحبها وارثها ونهجها.
وتستخدم الاغتيالات – حسب الرواية الإسرائيلية الرسمية- من أجل تعزيز فكرة الانتقام السريع والرد الغرائزي الذي يدفع الى النشوة والشعور بالانتصار والانجاز ، ولهذا لجأت القيادات الاسرائيلية دائماً إلى استخدام هذه الوسيلة لتحقيق الاستعراض بالقوة للحصول على التسويق والترويج والنجاح بالانتخابات، ولهذا كان في الاغتيالات جانب كبير من الشعبوية والسيطرة على عناوين الصحافة واثارة الانبهار وصيحات الإعجاب .
وعلى الرغم مما في الاغتيال من مخاطر قانونية وانسانية وحتى سياسية، فإن إسرائيل تعتمد في تجاوز ذلك على الضغوط العلنية والسرية على الأطراف جميعا للصمت أو حتى التأييد الضمني ، وفي حالة الفضيحة فإن اسرائيل من أكثر الكيانات القادرة على التبرير وتقديم التسويات. ورغم أن اسرائيل كيان معترف به في الأمم المتحدة وكان من الممكن ان تنتهي من الاغتيالات كوسيلة لتصفية أعدائها، الا أنها لم تترك هذه الوسيلة من منطلق أن إسرائيل هي خير من يفهم عقلية أبناء المنطقة ، في استعراض معرفي استعماري يدعي فيه أن الإسرائيلي يفهم أكثر من شخص آخر عقلية المنطقة التي لا تؤمن إلا بالقوة ولا تخضع إلا بالقوة ، وهي رؤية استعمارية استعلائية بامتياز أثبتت خطأها للمرة المليون.
أخيراً فإن إسرائيل تعتقد أن اغتيالاتها محقة وأخلاقية وضرورية ولا داعي للاعتذار عنها أو حتى التوقف عن استخدامها، فهي وسيلة قد لا تنهي الصراع بالتأكيد ولكنها وسيلة فعالة لتصفية الحسابات وتحييد الأعداء واسكات من تريد إسكاتهم.
أما من جهة الفلسطينيين ، فإن الاغتيالات مؤلمة بالتأكيد ، ولها وقع مُريع يدفع إلى التساؤل والرغبة في جلد الذات واثارة الاسئلة المحرجة والمستفزة ، الاغتيالات بالنسبة للفلسطينيين أشبه بوقفة قسرية للمحاسبة والمساءلة واعادة النظر في كل شيء، وللغضب من جديد و للتزود بكل ما مضى وكل ما سيأتي ، هنا يقف الإنسان أمام مصيره وقدره، قد يشعر بعجزه وضعفه وقلة حيلته ، ولكنه ويا لقوة الضحية وإمكاناتها العجيبة الكامنة، يستل من أعمق أعماقه كل ما يبقيه حياً ومثابراً ومستمراً، يعجن الفلسطيني حزنه وحنقه وحرقته ليخبز منها على نار أمله وألمه فطيرة العيش وفطرة الحياة، يتحول الاغتيال إلى أمر يمكن فهمه والتعامل معه ومن ثم تجاوزه في آلية عجيبة لا يمكن للجلاد أن يفهمها.
اذ سرعان ما يتحول فعل الاغتيال إلى جزء من الحياة ذاتها، وكأنها ضريبة الاستمرار والبقاء ، وكأن كل جماعة في الدنيا لا بد لها من الأسماء والأغاني لتحمي قلبها من الذوبان أو الانفجار. الضحية من القوة بحيث تجعل من أحزانها أيضاً ذريعة أخرى للبقاء . قوة الضحية أنها تستطيع التكيف والتحول والتشكل ولها قدرة لا نهائية على معاودة الرقص في الساحات وعلى التلال وتحت ظلال الأشجار.
ألا يفسر هذا بقاء الأقليات والجماعات الصغيرة والثقافات المنسية والمهمشة، فما بالك بشعوب قدمت للعالم الضوء والوضوء.