الكاتب: وائل زبون محاضر في جامعة فلسطين الاهلية
المقدمة
يتميز المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بتشابك المصالح الوطنية والتوترات التاريخية والمنافسات الاستراتيجية. وقد زادت الاستفزازات الأخيرة بين إيران وإسرائيل من تعقيد هذا الديناميكية، مما أثار تساؤلات حول ردود الفعل المحتملة وتبعاتها على استقرار المنطقة. ويستعرض هذا التحليل حسابات إيران الاستراتيجية والردود المحتملة والاعتبارات الجيوسياسية الأوسع التي تشكل النهج الإيراني في الرد.
الاستعدادات العسكرية والقدرات الاستراتيجية
1. تعزيز الدفاعات والردع
يمكن تفسير تأخير إيران في الرد على تصرفات إسرائيل جزئيًا على أنه جهد متعمد لتعزيز دفاعاتها العسكرية. ومن المحتمل أن تكون البلاد قد بدأت بتعزيز قدراتها الدفاعية الجوية، وربما بزيارة الوفد الروسي رفيع المستوى مؤخرا لإيران قد تمخض عنه تزويدها بأنظمة متقدمة مثل S-400 من روسيا. هذه الأنظمة تخدم غرضين: الأولى فهي تعمل كوسيلة ردع ضد الضربات الجوية المحتملة من إسرائيل أو الولايات المتحدة، والثانية توفر لإيران الوسائل والأدوات الضرورية لحماية البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المنشآت النووية.
تلعب استثمارات إيران في التكنولوجيا الصاروخية والطائرات بدون طيار دورًا حاسمًا في استراتيجيتها الدفاعية. تُمكن هذه الأصول إيران من إسقاط قوتها عبر المنطقة والحفاظ على موقف ردعي قوي ضد أعدائها. يضمن تعزيز هذه القدرات أن إيران يمكنها الرد على الاستفزازات بطريقة مدروسة ولكن مؤثرة، مما يثبت قدرتها على الردع دون الانخراط في حرب شاملة.
المناورات الدبلوماسية والموقف الدولي
2. بناء الدعم الدبلوماسي وتكوين السرد
على الجبهة الدبلوماسية، يعتبر تأخير إيران مناورة استراتيجية للحصول على الدعم الدولي وتشكيل موقفها بشكل إيجابي على المسرح العالمي. تسعى إيران ومن خلال الانخراط مع المنظمات الدولية والجهات الفاعلة الرئيسية، إلى كسب التعاطف مع موقفها. جيث يهدف هذا النهج إلى عزل إسرائيل دبلوماسيًا وتعقيد أي جهود لبناء تحالف ضد إيران.
يشكل تواصل إيران مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين أهمية خاصة. يمكن لهذه الدول، بقدرتها على استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي، أن تقدم دعمًا سياسيًا حاسمًا، مما يمنع تمرير قرارات عقابية ضد إيران. ومن خلال التحالف مع الدول غير المنحازة والنامية، فان إيران تؤسس على احترلم السيادة وعدم التدخل، مما يلقى صدىً أوسع بين الجمهور الدولي الذي يساوره القلق من الإجراءات الأحادية للدول القوية، الامر الذي حتما سيقود الى انشاء تحالف دولي واسع في وجه الهيمنة الغربية.
التنسيق العملياتي والاستراتيجية الإقليمية
3. التنسيق مع الحلفاء الإقليميين ومحور المقاومة
تعتمد استراتيجية إيران الإقليمية بشكل كبير على شبكة من الحلفاء وبالأخص محور المقاومة، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن. ويتيح تأخير الرد لإيران التنسيق مع هذه الجماعات، مما يضمن نهجًا موحدًا ومتحكمًا في أي إجراءات انتقامية. هذا التنسيق يزيد من تأثير أفعالهم الجماعية بينما يحد من مخاطر التصعيد غير المنضبط.
من خلال محاذاة استراتيجياتها مع هذه الجماعات، يمكن لإيران ممارسة الضغط على المصالح الإسرائيلية بشكل غير مباشر، مما يعقد حسابات إسرائيل الأمنية. ويسمح هذا النهج لإيران بالاستفادة من نفوذها الإقليمي دون الانخراط مباشرة في صراع مفتوح، مما يحافظ على درجة من الإنكار والمرونة في أفعالها.
تخفيف المخاطر وتجنب التصعيد
4. الصبر الاستراتيجي وتجنب الاستفزاز
يعد تخفيف المخاطر جانبًا رئيسيًا من نهج إيران. حيث تدرك إيران جيدًا العواقب المحتملة لرد غير متناسب أو مبكر، والذي قد يستفز رد فعل عسكري كبير من إسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة. نظرًا للطبيعة المتقلبة للمنطقة، يمكن لأي خطأ حسابي أن يؤدي إلى صراع أوسع مع تداعيات بعيدة المدى. والقيادة الإيرانية حذرة من إعطاء إسرائيل أو الولايات المتحدة ذريعة لحملة عسكرية أوسع، ولا سيما استهداف منشآتها النووية. والامر الأهم في تأخير ردها، هو للتخطيط بعناية لرد فعل مدروس ومبرر قانونيًا، مما يقلل من خطر اعتبارها المعتدي. وهذا النهج المدروس يتيح لإيران التنقل في تعقيدات القانون الدولي وتجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى إدانة دولية واسعة النطاق.
الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل
5. التركيز على الصمود والأهداف طويلة الأجل
يعكس الصبر الاستراتيجي لإيران فهمًا أوسع لأهدافها طويلة الأجل. بدلاً من رد الفعل المندفع على الاستفزازات، وبهذا فان إيران تلعب لعبة طويلة المدى، هدفها التركيز والحفاظ على نفوذها الإقليمي، والنهوض ببرنامجها النووي، ومواجهة التحديات التي تفرضها العقوبات الدولية. ويتماشى هذا النهج مع استراتيجية إيران التاريخية المتمثلة في التحمل، والتي مكنتها من الحفاظ على موقف صامد رغم الضغوط الخارجية.
من خلال إدارة توقيت وطبيعة ردها بعناية، تسعى إيران إلى تحقيق توازن بين حاجتها الفورية للانتقام وأهدافها الاستراتيجية الأوسع. حيث يشمل ذلك الحفاظ على وضع داخلي مستقر سياسيا واقتصاديا، وتجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى مزيد من العزلة أو المواجهة العسكرية.
الخلاصة
في الختام، من المرجح أن يكون رد إيران على تصرفات إسرائيل مدروسًا واستراتيجيًا ومتعدد الأوجه. حيث يعكس تأخير الرد حسابًا معقدًا يشمل الاعتبارات العسكرية والدبلوماسية والعملياتية. وتشير أولوية إيران هنا بداية لتحصين دفاعاتها الجوية، وتفوية موقفها دبلوماسيًا، وزيادة في التنسيق الإقليمي، مع تخفيف المخاطر إلى نهج مدروس للتعامل مع المشهد الجيوسياسي المتقلب. ومع تطور الوضع، فمن المرجح أن تستمر إيران في توجيه أفعالها بمزيج من الحزم والضبط، بهدف تأمين أهدافها الاستراتيجية طويلة المدى مع تجنب التصعيد غير الضروري. وتؤكد هذه الاستراتيجية المحسوبة على فهم إيران للديناميات المعقدة في المنطقة والتزامها بالحفاظ على موقف صامد ومؤثر في.