الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
الإعلان عن قدوم وفد أمريكي رفيع المستوى إلى المنطقة في محاولة لدفع عملية التفاوض لا يضيف الكثير إلى الجهود الامريكية الفاشلة التي بذلت منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن . هذا الاعلان لا يقابل بالفرح أو الدهشة أو حتى الانتظار اللذيذ، فالسياسة الأميركية تميزت طيلة الوقت بالضعف والازدواجية والتحيز، وفي بعض الأحيان أثارت هذه السياسة الرثاء والشفقة لما تكبده السياسة الأميركيون من فبركة وحكايات وتبريرات تبعث حقاً على السخرية.
السياسة الأميركية ومنذ السابع من أكتوبر الماضي تميزت بالأمور التالية :
أولاً : إن الإدارة الأمريكية وطيلة الشهور العشرة الماضية لم تستطع أن تفرض على اسرائيل أية نصيحة أو اقتراح على الاطلاق ، فلا عدد الضحايا الفلسطينيين انخفض ولا المساعدات زادت ولا المفاوضات أسفرت عن نتائج ولا اطلاق النار توقف، ولا الأسرى أطلق سراحهم ، بل على العكس من كل ذلك تماماً. بدت هذه الادارة ضعيفة ومحاصرة ومترددة ولم تستطع ان تسوق نفسها كراعية أو وسيطة بقدر ارتسامها أمام العالم بأنها شريك حقيقي وذلك على خلفية الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي والأخلاقي لأفعال إسرائيل كلها.
ثانياً: في المقابل ، ظهر أن إسرائيل هي التي تأخذ من الادارة الأمريكية كل ما أرادت، ودفعتها إلى كل المربعات التي ذهبت إليها ، وأجبرتها على تبني كل المواقف الاسرائيلية مهما كانت هذه فظيعة أو لا انسانية ، أكثر من ذلك، استطاعت اسرائيل أن تذل الإدارة الأمريكية الحالية وتحاصرها وتجبرها على التراجع عن كل خطوة لم ترض عنها إسرائيل. ظهر خلال الشهور العشرة السابقة أن اسرائيل هي قضية يومية في الأجندة السياسية الأمريكية، وظهر أن اللوبي الهائل والمتعدد الأذرع والمنصات والمستويات قادر على أن يشتري كل شيء في الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: أدارت الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسية بالغة السوء من حيث معالجاتها الفاشلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، حيث غابت الرؤية الاستراتيجية لحل الصراع ، كما لم يتم البناء على ما تم الاتفاق عليه في السابق، ولم تفعّل الإدارة الأمريكية أدوات الضغط على إسرائيل ، ولم تشجع الاعتدال العربي إلا من حيث أنه حافظة مالية أو جزء من حلف أمني، وأهملت هذه الادارة فكرة حل الصراع وتركته لإسرائيل التي تحولت بسرعة إلى يمين يرفض التسوية من أساسها . ضعف هذه الإدارة وغياب الحلول الاستراتيجية وغياب التفكير المبدع، دفع بها إلى انتهاج دبلوماسية تقوم على البلطجة من جهة ومحاولة شراء الهدوء بأي طريقة من الطرق من خلال الكلام عن أحلافٍ وحلول سريعة لأزمات طويلة ومتفجرة. الدبلوماسية التي اتبعتها هذه الإدارة هي ديبلوماسية كسولة ونفعية وقصيرة المدى ولهذا اعتمدت على التهديد واستعراض القوة من جهة وعلى معايير مزدوجة و أكاذيب وفبركات ومحاولة استرضاء رخيصة ومكشوفة لكل الأطراف.
رابعاً: ولإدراك إسرائيل أن هذه الإدارة ضعيفة ومرتبكة يعوزها الكاريزما والإبداع والمبادرة من جهة وتحكم اللوبي الاخطبوط بقراراتها من جهة أخرى، فقد ظهر واضحاً للعيان أن اسرائيل تجر الادارة الامريكية إلى حيث تريد، دون الالتفات إلى نصائحها أو تحذيراتها ، وسجل نتانياهو العديد من النقاط في ما أسماه مواجهة الضغوط الخارجية والداخلية، الأمر الذي جعل صورة الرجل تتحسن في أعين جمهوره.
خامساً: الآن، وعلى خلفية هذا المشهد كله، فهل يمكن لما فشلت فيه هذه الإدارة طيلة شهور عشرة أن تنجح فيه خلال الأسبوع القادم؟!، لا اعتقد ذلك وللأسباب التالية أيضاً: ان إسرائيل اتخذت قراراها بالحرب أصلاً، وأنها تعتقد أنها انتصرت وأنها قادرة على فرض شروطها، وأن الادارة الامريكية لا تستطيع أو لا تريد أن تمارس ضغوطاً على نتانياهو . الادارة الأمريكية تقدم فعليا اغراءات لإسرائيل وليس ضغوطا، الادارة الامريكية الآن وفي خضم هذه الانتخابات ترغب بتسجيل انجازاتها بالتأكيد ، ومن المؤكد أيضاً أن نتانياهو سيفكر كثيراً قبل أن يهدي هذه الادارة مثل هذا الانجاز.
أخيراً مخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة الامريكية قادرة على تقديم حل، ستبقى الدبلوماسية الاميركية كما عرفناها منذ عقود طويلة، كلام متناقض ومعسول ومشاريع ومقترحات استعراضية واسترضائية فيما السياسة الحقيقية هي ما تصنعه طائراتها وأساطيرها. وهي سياسة ارتضاها ساسة أميركا ومنظروها، فهي الكفيلة والضامنة لمصالح الإمبراطورية الكبرى التي تكذب كثيراً ، وتستفيد أكثر.