الكاتب: علاء كنعان
التعليم الأكاديمي في فلسطين ليس مجرد وسيلة للحصول على شهادة جامعية أو وظيفة؛ بل هو استثمار لا خسارة فيه، وسلاحا معنويا وثقافيا للشعب الفلسطيني يواجه به التحديات بما فيها استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
الإصرار على التعليم يبقى رمزاً لصمود الفلسطينيين، يجسد احترام العلم والتعلم كجزء من الهوية والثقافة الفلسطينية، فكان وما زال السبيل لتحقيق التنمية والتطلع إلى الحياة والمستقبل، لمساهمته في تنمية المجتمع اقتصاديا وثقافيا وغيرها.
التعليم الجامعي هو أداة لتعزيز العلم والمعرفة والابتكار، ورحلة في اكتشاف الذات وتطوير للمهارات و حافز للتغيير ومصدر للإلهام، ومن خلال التعليم، ينمو الفرد وينضج ويصبح قادرا على التحليل، ويتعلم بأبعاد متعددة: شعورياً ومعرفياً وحسياً، فالتعليم الجامعي رحلة تعليمية تساعد الفرد على الاستقلالية وتكوين الشخصية، وتفتح أمامه آفاقا جديدة.
في السنوات الأخيرة، تصاعد النقاش حول جدوى الحصول على الشهادات العليا وأهميتها في ظل متطلبات وظائف العصر الحالي، فيرى البعض أن الشهادة الجامعية لا تزال العامل الأساسي للنجاح المهني، وأن المهارات العملية والتجارب هي التي تجب ان تكون في المقدمة.
وهناك من يرى أن المهارات والتجارب هي الأكثر الأهمية في بيئة العمل المتغيرة، وأن القدرة على التكيف مع المتغيرات والتعلم من التجربة هي المفتاح للنجاح في ممارسة العمل.
في المقابل، يعارض البعض التقليل من قيمة الشهادات الجامعية، مؤكدين أن التعليم الأكاديمي هو حجر الأساس لبناء المعرفة والمهارات وهي ليست مجرد شهادة، وهو الإطار النظري الذي ينمي القدرات العقلية والتحصيل العلمي ومكملا للمهارات العملية التي يحتاجها سوق العمل.
يواجه الطالب الجامعي اليوم، تحديات تتمثل في أن سوق العمل يتغير كل خمس أو أكثر قليلا، فما هو ورائج اليوم قد لا يكون بذات الأهمية بعد تخرجه، فيجد الطالب نفسه أمام واقع جديد حيث يمتلئ السوق بالمجالات والتخصصات التي كانت تعتبر واعدة أمامه.
وأمام هذا التغير، أصبح من الضروري أن تكون المرجعية الأساسية في التعليم، هي القدرة على أداء المهام والاستمتاع بها، بجانب الشهادة الجامعية، فالرغبة قد تتغير ولكن امتلاك المهارات والقدرة على التكيف تبقى عوامل أساسية للنجاح.
والقلق من اختيار التخصص هو شعور طبيعي لطالب الثانوية العامة، خاصة في ظل التحولات المستمرة في سوق العمل، ومن البديهي أن يرغب الطلاب في اختيار تخصص يساعدهم في الحصول على الوظيفة، فاختيار التخصص حاجة أساسية ولكن ليس حكما غير قابل للاستئناف ومن الطبيعي أن يشعر الطالب بالحيرة في الاختيار، وقد يجد الطالب نفسه يتساءل خلال دراسته أو بعد التخرج: ماذا لو درست تخصصاً آخر؟ وهذا سؤال مشروع، لأن الإنسان دائم التغيير والتطور، الأهم أن ندرك أن التخصص هو بداية رحلة طويلة مليئة بالتجارب.
هذه المشاعر هي جزء من عملية اكتشاف الذات، التي تحدثت عنها في سياق التعليم، فالحياة مليئة بالتغيرات، فحياتنا اليوم عبارة عن مراحل واهتمامات متجددة، واهتمامات اليوم ليس كما هي الاهتمامات قبل سنوات.
على الطالب أن يستمتع برحلته الجامعية، فالرحلة أهم من الوجهة والاختيار، وأساسية لاكتشاف الذات ومواجهة التحديات، وعليه أن يتأكد أن الفرص متوفرة دائما ًويجب استغلالها وعلينا إدراك أن القدرات الفطرية للإنسان تتطور مع كل تجربة تعلم.
وكلما تعلم الفرد، زادت استقلاليته وتكوينه الشخصي، فمثلا، تعلم اللغات يفتح آفاقاً جديدة في التواصل مع الآخرين دون الحاجة لمترجم، وهذا مثال واحد على كيف التعليم يساهم في تطوير مهارات متعددة في جوانب الحياة المختلفة وهكذا في بقية التخصصات المختلفة.
وكما أن التقدم في المسيرة التعليمية، يعزز من فرص اكتشاف الذات وبناء الشخصية، مما يمهد الطريق لتحقيق النجاح في الحياة الشخصية والمهنية.
أن تنويع التجارب هو إحدى الركائز المهمة في عملية التعلم واكتشاف الذات، على سبيل المثال، قد يجد الشخص نفسه شغوفا برياضة معينة مثل السباحة، معتقدا ًانها الأنسب له، ولكن عندما يجرب رياضة جديدة مثل التنس، قد يكتشف أن هذه الرياضة تمنحه متعة أكبر مما كان يتصور.
هذا المثال ينطبق على جوانب الحياة كافة، بما فيها المجال المهني، فقد يبدأ الشخص مسيرته العملية كمحاسب أو معلم، ومن ثم يجد نفسه لاحقا في وظيفة أخرى ويتساءل: أين كنت من هذا العمل؟ التجارب المتنوعة تفتح أمامنا فرص جديدة وتبرز مهارات وإمكانيات لم ندركها من قبل، والتعليم نقطة البداية الذي لا ينتهي بانتهاء المرحلة الاكاديمية بل يمتد ليشمل التجارب المهنية والشخصية المتنوعة.
وفي ظل التطور العلمي والتكنولوجي، أصبح من الضروري أن ندرك أن الاستثمار في التعليم المهني والتقني استثمار في مستقبل أبنائنا، وهذا النوع من التعليم لا يساهم فقط في تنويع الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، بل يساعد أيضا في إعداد الأجيال القادمة لمواجهة تحديات سوق العمل بمرونة وكفاءة.
في النهاية، يبقى التعليم المحرك الأساسي للتنمية ويُقاس تقدم الشعوب والدول بمدى اهتمامها بالتعليم ولضمان أن يكون تعليمنا مواكبا لتحديات العصر وقادرا على تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق أحلامه وطموحاته فلا بد من الاستثمار في التعليم وتقديم خدمات تعليمية متطورة معتمدة على التكنولوجيا الرقمية والمناهج الحديثة لنبني المستقبل ونتحدى الحاضر.