الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

مذابح البوسنة وغزة: تحليل مقارن للإبادة والردود الدولية

نشر بتاريخ: 16/08/2024 ( آخر تحديث: 16/08/2024 الساعة: 15:20 )

الكاتب: وائل زبون محاضر في جامعة فلسطين الاهلية

مقدمة

منذ نهاية القرن العشرين وحتى اليوم، شهد العالم أحداثًا مأساوية عكست أزمات عميقة في النظام الدولي. من مذبحة سربرنيتشا في قلب أوروبا إلى الأزمة المستمرة في غزة، تُظهر الاستجابات الدولية لهذه الفظائع تباينًا واضحًا في التعاطي مع الأزمات الإنسانية بناءً على اعتبارات جيوسياسية أكثر منها حقوقية. هذا المقال يسعى إلى تحليل هذه الأزمات ومقارنة الردود الدولية عليها، مع تسليط الضوء على ازدواجية المعايير في السياسة الدولية.

مذابح البوسنا: الأرقام والدمار

في 11 يوليو 1995، شهدت البوسنة واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.واستمرت هذه الابادة اكثر من اربع سنوات دون تدخل يذكرمن اوروبا المتحضرة مع ان الحدث كان في خاصرتها مئات الاف الرجال والفتيان البوسنيين قتلوا على يد قوات صرب البوسنة. بالإضافة إلى عمليات القتل، وُثقت حالات واسعة من الاعتداءات الجنسية ضد النساء البوسنيات قدرت بعشرات الالاف، والتي أكدت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) أنها جزء من حملة الإرهاب المنهجية.

لم تقتصر المأساة على البشر فحسب، بل شملت أيضًا تدمير المواقع الثقافية والدينية، حيث دُمرت مساجد عديدة، ما أدى إلى محو جزء كبير من التراث الثقافي والديني للبوسنيين. تعرَّض أكثر من مليون ونصف المليون بوسني للتهجير القسري، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة. على الرغم من هذه الجرائم البشعة، كانت الاستجابة الدولية في البداية فاترة، مع تأخر التدخل الحاسم من المجتمع الدولي، وخاصة من القوى الغربية.

غزة: حصار طويل وجرائم حرب مستمرة

حصار غزة: بداية طويلة منذ 2005

منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، والذي جاء نتيجة لضغوط المقاومة الفلسطينية، تعرضت غزة لحصار خانق من جميع الجهات. هذا الحصار، الذي استمر لما يقرب من عقدين، أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كبير. يعيش أكثر من 2 مليون شخص في ظروف صعبة للغاية، حيث يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، إضافة إلى تدمير البنية التحتية الضرورية للحياة اليومية.

الجرائم الإسرائيلية: حرب وإبادة جماعية

تواصل إسرائيل، تحت غطاء "الدفاع عن النفس"، ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وإبادة جماعية. في الاونة الأخيرة، بدأت دول مثل جنوب إفريقيا في اتخاذ خطوات ملموسة لمحاسبة إسرائيل، بما في ذلك رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية. في تطور لافت، أدانت المحكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كمجرم حرب، ومع ذلك، استُقبل نتنياهو في الولايات المتحدة في مبنى الكابيتول كـبطل "قومي"، مما يعكس ازدواجية المعايير الدولية.

الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل

رغم الأدلة المتزايدة على انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، لا تزال الولايات المتحدة تقدم دعمًا غير مشروط لإسرائيل. منذ التصعيد الأخير بعد 7 أكتوبر 2023، قدّمت الولايات المتحدة مساعدات مالية وعسكرية لإسرائيل تجاوزت 45 مليار دولار، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل انتهاكاتها للقانون الدولي، بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في إيران. هذا الاغتيال يمثل اعتداءً صارخًا على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وقتل لشخصية سياسية وليست عسكرية، مما يعد انتهاكًا واضحًا لمحرمات القانون الدولي.

ردود الفعل الدولية: دعم المعتدي وتجاهل القانون

بدلاً من فرض عقوبات أو حتى إدانة هذه الأفعال، كانت الاستجابة الأمريكية والأوروبية إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لحماية إسرائيل، التي تواصل تصرفاتها العدوانية دون رادع. هذه الردود المتحيزة تثير تساؤلات عميقة حول مصداقية القانون الدولي وفعالية المؤسسات الدولية في حماية حقوق الإنسان والعدالة الدولية.

الردود الدولية: تحليل مقارن

تظهر الردود الدولية على أزمات سربرنيتشا وغزة وأوكرانيا تباينًا كبيرًا في التعاطي مع الأزمات الإنسانية. ففي حين أن العالم استغرق سنوات لاستيعاب مذبحة سربرنيتشا والتعامل مع تبعاتها، كان رد الفعل الدولي تجاه الأزمة في أوكرانيا سريعًا وواسع النطاق. في أقل من أسبوع من الغزو الروسي لأوكرانيا، اجتمعت المؤسسات الدولية وأصدرت عقوبات صارمة على كل مناحي الاقتصاد الروسي، وصولًا إلى فرض عقوبات على الرياضة والألعاب.

لكن في الحالة البوسنية، ورغم أنها وقعت في قلب أوروبا، كانت الاستجابة الدولية بطيئة وغير كافية، الأمر الذي سمح باستمرار الفظائع. أما في غزة، فإن الوضع يبدو أكثر سوءًا، حيث يواصل المجتمع الدولي تجاهل الجرائم الإسرائيلية المتكررة، ويكتفي بتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل.

نموذج أوكرانيا: ازدواجية المعايير

الرد الدولي السريع والحاسم على الغزو الروسي لأوكرانيا يثير العديد من التساؤلات حول ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية. لماذا كانت الاستجابة سريعة وشاملة عندما تعرضت دولة أوروبية للعدوان، بينما كانت الاستجابة بطيئة وغير كافية في حالة البوسنة وغزة؟ هل يرجع ذلك إلى أهمية أوكرانيا الجيوسياسية بالنسبة للناتو والغرب، أم أن هناك ازدواجية في المعايير عندما يكون الضحية من ديانة أو ثقافة مختلفة؟

التساؤلات الأساسية: نقاط للتأمل

1. ازدواجية المعايير الدولية: لماذا يتعامل المجتمع الدولي بازدواجية معايير واضحة، حيث يتم دعم بعض الدول مهما ارتكبت من جرائم بينما يتم تجاهل معاناة شعوب أخرى؟

2. القانون الدولي في مأزق: هل يعكس هذا السلوك الدولي عجزًا في تطبيق القانون الدولي على الدول التي تحظى بدعم قوي من القوى الكبرى، أم أن هناك حاجة لإعادة النظر في آليات تنفيذ القانون الدولي لتحقيق العدالة الحقيقية؟

3. السيادة الوطنية وحقوق الإنسان: كيف يمكن تفسير الصمت الدولي إزاء انتهاك سيادة الدول وقتل شخصيات سياسية غير عسكرية، في حين يتم الترويج للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية كأولوية دولية؟

4. مستقبل النظام الدولي: إذا استمرت هذه الازدواجية، هل سنشهد تفكك النظام الدولي القائم على احترام القانون الدولي، وهل سنرى تصاعدًا في لجوء الدول والجماعات الضعيفة إلى البحث عن آليات خارج إطار القانون الدولي للدفاع عن حقوقها؟

5. مسؤولية المجتمع الدولي: ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في مواجهة هذه التحديات، وكيف يمكن إصلاح هذه المؤسسات لضمان تحقيق العدالة وعدم تكرار هذه الأخطاء؟

خاتمة

من الواضح أن العالم يواجه أزمة ثقة في النظام الدولي الحالي. تحتاج الدول والمجتمعات الدولية إلى إعادة تقييم مواقفها وسياساتها لضمان أن تكون الاستجابات للأزمات مبنية على مبادئ العدالة الإنسانية وليس على المصالح الجيوسياسية. إذا لم يتم معالجة هذه التحديات، فإن مصداقية القانون الدولي ستكون على المحك، وقد يؤدي ذلك إلى تزايد الفوضى والنزاعات في العالم.