الجمعة: 20/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل ينبعث الدخان الأبيض من الدوحة اليوم أو دخان الصواريخ والمعارك؟

نشر بتاريخ: 16/08/2024 ( آخر تحديث: 16/08/2024 الساعة: 16:04 )

الكاتب: كمال خلف

المحادثات ستتواصل اليوم الجمعة هذا كل ما صدر عن الوسطاء المجتمعين في الدوحة حتى كتابة هذه السطور “فجر الجمعة”. وهذه الكلمات غير كافية لأي استنتاجات او تقييمات حول الاجتماع، لكن اللافت هو الاتصال الذي اجراه في توقيت عقد الاجتماع وزير الخارجية القطرية “محمد بن عبد الرحمن” مع وزير الخارجية الإيرانية بالإنابة “علي باقري كني”. وهو ما اعطى استنتاجا واحدا يقول “ان الاجتماع لوقف النار في غزة ارتبط بشكل او باخر بالرد الإيراني المرتقب على جريمة إسرائيل باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس “إسماعيل هنية” في طهران. لكن تبقى تساؤلات معلقة حول ماهية هذا الارتباط؟ وهل هناك من يرغب بسماع بجواب إيراني قاطع ان وقف النار في غزة قد يبطل الاجراء العسكري الإيراني ام ان ايران غير معنية بذلك، ومسألة المفاوضات ان كانت سببا في تأجيل الرد الا انها لن تلغيه.

بحسابات صورة النصر ومعادلة الردع في حال وقف النار وإلغاء الرد من طهران وحزب الله للمشهد وجهان. الأول قد تجد إسرائيل نفسها وقد نفذت عملتي اغتيال كبيرتين جدا بمستوى إسماعيل هنية وفؤاد شكر قد حققت مكاسب كبيرة وانجازات تكفي لتقول انها ذهبت لوقف النار بصورة نصر بدون ان تدفع الثمن او تتعرض لرد هجومي انتقامي وان الضربة الأخيرة كانت لها، خاصة ان إسرائيل اضافت مؤخرا إنجازا مشكوك في صحته وهو اغتيال قائد القسام في غزة “محمد الضيف”، وقد نفت حماس ذلك.

اما الوجه الاخر للمشهد هو ان وقف النار وارتباطه بإلغاء الرد سيعطي لإيران صورة من دفع لوقف الحرب بالتهديد بالرد، وان قوة ايران وخشية إسرائيل من ان تدفع الثمن هو خلفية وقف الحرب، وستكون ايران وحلف المقاومة قد حققوا الهدف المعلن لهم وهو وقف الحرب في غزة من دون ان يحقق نتنياهو أهدافه المعلنة “القضاء على حماس واستعادة الاسرى”، ولا شك ان ايران وحماس وحلف المقاومة سيعتبر ذلك نصرا

تظل هذه الاحتمالات معلقة بنجاح وقف اطلاق النار في اجتماع الدوحة.

بنظرة سريعة علـى حجم الزخم الذي سبق اجتماع الدوحة “البيان الثلاثي الذي صدر عن قادة ” قطر ومصر والولايات المتحدة” والذي جاء في مطلعه عبارة” حان الوقت لوقف الحرب ” وما تبعه من بيانات تأييد ودعم من دول في الشرق والغرب، إضافة الى كم المبعوثين الأمريكيين الذي انهالوا علـى المنطقة ” هوكشتاين – ما كغورك – ويليم بيرنز – وكان مفترض وصول بلينكن الا انه الغى زيارته في اللحظة الأخيرة. كل هذا يجعل من الصعب تصور فشل الاجتماع، لان الإدارة الامريكية، واللحظة الإقليمية المتوترة في ذروتها الان، جعلت من هذا الاجتماع الفرصة الأخيرة او مفترق الطرق ” اما ابرام الصفقة او الذهاب نحو مستوى من التصعيد لا يمكن تصور مداه وتداعياته على الإقليم ككل.

بشكل قاطع لا تريد الولايات المتحدة ان تنخرط في حرب في الشرق الأوسط الان، واعتقد ان ذلك محل اجماع عند الحزبين وما يعرف بالدولة العميقة في الولايات المتحدة وهذا ما ابلغوه لنتنياهو بشكل واضح، مع الاستعداد الكامل لحماية إسرائيل من أي هجمات تتعرض لها مع توضيح حدود هذه الحماية.

أي حرب شاملة تكون واشنطن جزء منها في منطقتنا سوف تؤثر مباشرة وبشكل كبير في الحرب التجارية المصيرية بين الولايات المتحدة والصين، والتنافس العالمي علـى مناطق نفوذ حيوية باتت في السنوات الماضية في الاستراتيجية الامريكية الشاملة اهم من جغرافيا الشرق الأوسط وهذا ثابت في الولايات المتحدة أيا كان ساكن البيت الأبيض.

اما الحزب الديمقراطي المقبل بعد ثلاثة اشهر على انتخابات كسر عظم مع دونالد ترامب، يحتاج بعد ان ازاح نقطة ضعفه “جو بايدن” ووضع مرشحة اكثر جذبا ” كمالا هاريس”، وحقق إنجازا في حرب أوكرانيا بعد جمود ومراوحة وفشل تمثل باختراق ” كورسك” في عمق الأراضي الروسية، يحتاج الى انجاز وقف الحرب في غزة، او ما يستطيع التعبير عنه بشكل اخر في الحملة الانتخابية، منع حرب شاملة مدمرة في الشرق الأوسط، ويطمح الديمقراطيون عبر الضغط والمساومة جر السعودية بعد ذلك للتطبيع مع إسرائيل، لتكتمل سلة انجازاتهم على صعيد السياسية الخارجية قبل الانتخابات، وللتغطية على عورة سنوات من الفشل الدبلوماسي في انجاز اتفاق نووي مع ايران او منع التصعيد في الشرق الأوسط او توسيع دائرة التطبيع العربي الإسرائيلي. وتجدر الإشارة هنا الى ان فريق بايدن المختص بالسياسية الخارجية باستثناء ” ويليام بيرنز” ثبت انه فريق ضعيف وقليل الكفاءة وفاشل ولا يتمتع بأي حرفيه مقارنة بكل الإدارات الامريكية السابقة.

نعم الولايات المتحدة شريكة كاملة في حرب الإبادة على غزة، ويدي بايدن وكامل ادارته ملطخة بالعار والخزي ودماء الأطفال، والولايات المتحدة شريكة كاملة مع عصابة تل ابيب الاجرامية في احتقار القانون الدولي والمؤسسات الدولية والإنسانية. لكن حسابات الحرب الشاملة في واشنطن تختلف عن حسابات التصعيد وتأمين الحماية والتفوق العسكري الإسرائيلي.

وبالعودة الى اجتماع الدوحة، من المحتمل ان يتم اليوم إيجاد تسوية لنقطة عالقة وهي الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وموضوع الأسماء والقوائم للأسرى، لتظل ازمة الشرط الإسرائيلي بالبقاء في وسط القطاع وانشاء الية تفتيش للنازحين العائدين من الشمال للجنوب. لا نعرف ان كان من الممكن إيجاد حلول لهذه الفجوات في يوم واحد، ربما يتم تمديد الاجتماع حتى السبت او ما بعد ذلك، لن تقول الإدارة الامريكية والوسطاء فشلنا ببساطة. سيكون هناك محاولات للنجاح ولو جزئيا، لتبريد المنطقة، وعدم انفلات الأوضاع على الجبهات والعودة الى تصعيد اكبر بكثير مما سبق الاجتماع. لن ننتظر كثيرا لمعرفة التفاصيل، وان كان دخانا ابيض سيتبعث من الدوحة او دخان الصواريخ والمعارك.