الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما لا نراه بالعين المجردة في قطاع غزة

نشر بتاريخ: 18/08/2024 ( آخر تحديث: 18/08/2024 الساعة: 18:55 )

الكاتب:

نادين روز علي

في النهاية ستضع الحرب أوزارها، والكل يدرك الامر، ومادامت المقاومة لم تكسر ولم تهزم فإن الصمود في حرب ما شابهها في التاريخ حرب أخرى يعني الإنتصار.
لكن علينا أيضا ونحن نتحدث عن الصمود أن نبحث في المجهر عن القضايا التي تغيب عن الأذهان في زمن الحرب والقصف عشرات آلااف الشهداء الذين يسقطون على دفعات في قطاع غزة. مئات آلاف النازحين الذين أصبحوا فجأةً من دون مأوى بين السماء والطارق، يفترشون الارض ويلتحفون السماء، هؤلاء يشكلون المعركة الحقيقية ما بعد الحرب وفي أثناء الحرب.
ففي كل الحروب يشكل النازحون أقلية من شعب أصابته الحرب وهذه الأقلية تنتقل من مكان كان ساحة لهذه الحرب إلى مكان امن لم تصله السنة لهيب الحرب. وعند انتهاء الحرب يعود هؤلاء النازحون إلى أماكن سكناهم ليعيدوا بناء ما دمرته الحرب.
لكن الواقع في قطاع غزة يختلف تماما، لأن حجم النزوح طال أكثر من سبعين بالمائة من سكان القطاع وأكثر من خمسين بالمائة من المنازل دمرت بالكامل وأكثر من ثلاثين بالمائة دمرت تدميرا جزئيا.
وليس هذا فقط، فحتى المرافق العامة والحيوية دمرت تماما وأصبحت اثرا من بعد عين.
إن معركة إعادة النارحين في قطاع غزة ما بعد الحرب تفوق في ما تحتاجه من عزم وإصرار وصبر وصمود ما تحتاجه الحرب. لأن ما لا نراه بالعين المجردة هو أن قطاع غزة يحتاج إلى عملية بناء وإعادة إعمار ما دون الصفر.
وما لا نشاهده بالعين المجردة هو أن أبناء القطاع الذين أصبحوا بلا مأوى سيخوضون معركة الإعمار بقلوبهم وعقولهم هذه المرة بعد أن خاضوا المعركة الحالية برصاصهم وقذائفهم.
إن واقع النزوح ليس أمرا سهلا على النازح الذي يعيش عذاباته ومآسيه بل هو أيضا كارثي على صاحب القرار والسلطة التي ستتولى معركة البناء والإعمار. وهنا تبدأ الأسئلة تطرح حول اليوم التالي للحرب: من سيتحمل مسؤولية الإعمار من الناحية المادية؟ وهل سيكون القطاع محاصرا كما كان في السابق من قبل إسرائيل ومن قبل مصر ولكل أسبابه التي يطرحها؟ فإسرائيل تعتبر أن الحصار جزء من المعركة ضد حركة حماس ومصر ترى بأن إغلاق معبر رفح هو منع لحالة من الاجتياح السكاني لسيناء وجزء من الحفاظ على الواقع الفلسطيني في القطاع.
لذلك، أرى أن ما بعد انتهاء الحرب سيكون بنفس صعوبة الحرب نفسها، ومواجهة المرض والآفات ونقص الأموال والأنفس والثمرات هو الواقع الذي ينتظر ضحايا الحرب، وهم يحاولون أن يتجاوزوا الأزمة في زمن الحرب من خلال القبول بأقل القليل وبأدنى المقومات.
لكن الكارثة الكبرى هي أن الازمة ستستمر في اليوم التالي للحرب ولسنوات طويلة، وتعود حكاية اللاجىء الفلسطيني مرة أخرى بعد أكثر من سبعة وسبعين عاما.