الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

فانتازيا التفاوض مع الاسرائيلي

نشر بتاريخ: 19/08/2024 ( آخر تحديث: 19/08/2024 الساعة: 08:36 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

اسرائيل تريد ان تفاوض دون ان تدفع استحقاقات هذا التفاوض ، فهي تعلن انها تريد القضاء على المقاومة و تفاوضها في ذات الوقت و انها لن توقف اطلاق النار و لكنها تستمر بالتفاوض و انها لن تفرج عن اسرى معينين و ان تبقي قواتها في القطاع بما يسمح لها السيطرة و التحكم و هي تريد ان تجعل من تدفق المساعدات سلاح اخر للعقاب و احكام السطرة على الشعب الفلسطيني و بهذا يصبح التفاوض و كأن اسرائيل تتحدث مع ذاتها .

اسرائيل تريد ان تتفاوض دون ان تعترف او تشارك او تتقاسم مع الشعب الفلسطيني فكرة بقائه او وجوده او قدرته على الحياة و كأن اسرائيل تفاوض شعبا شفافا او غير مرئي ، و هكذا تبدو اسرائيل و كانها تفاوض بالقدر الذي فيه مصلحتها فقط او بقاء حكومتها او ارضاء جهات ضاغطة او لتلميع الصورة او اتقاء من شر المحكمة الدولية او لتسوية حزبية داخلية .

و لهذا ان التفاوض الذي تجريه اسرائيل هو تفاوض مضحك و فيه جانب ساخر تماما ، فهي تقترح ثم تضيف و تحذف من الاقتراح ما تشاء لتجعله خياليا او تعجيزيا او يحتاج الى قرن من الزمن لتفسيره و هي تقنع الادارة الامريكية بأفكار للتفاوض ثم تنكرها ثم تفضح هذه الادارة بالقول انها غيرتها او عدلتها او لم تفهمها اصلا ، ولا تتورع اسرائيل عن اتهام الوسطاء بالتزوير او التحريف او الضعف او عدم القدرة على الضغط او الابتزاز و اسرائيل لا مشكلة لديها في ان ترسل وفدا مفاوضا يسمع فقط ولا يتكلم ، او يتكلم بحدود ، او وفدا لا يقرر ، او وفدا يراقب وفدا او يبلغ عنه او وفدا على خلافا بين اعضائه و مرجعياته .

اسرائيل تفرق في مفاوضاتها بين الجوهري و الاجرائي ، و بين الانساني و الامني و بين الثابت و المتغير و هكذا تضيع الطاسة اكثر مما هي ضائعة اصلا .

و اسرائيل في مفاوضاتها تغرق في التفاصيل حتى تضيع الاطر الكبيرة و يمكن لاسرائيل ان تفجر كل اتفاق من خلال التركيز على جزيئات يمكن تجاوزها لو توفرت الارادة .

يمكن القول ان قواعد اسرائيل في التفاوض تتمثل فيما يلي ، و ذلك قياسا على عمليات التفاوض منذ ان اقيمت اسرائيل حتى الان :

اولا : تجزئة الموضوع الى مربعات صغيرة توكل الى لجان فنية متخصصة ، بحيث يتم تسجيل انجازات صغيرة هنا و هناك ، و هكذا يتحول الواقع الباطب اصلا الى واقع يتم التفاوض حوله.

ثانيا : استخدام اسلوب الثواب و العقاب او العصا و الجزرة فاسرائيل ليست بارعة في التفاوض الا لانها قوية و لو لم تكن كذلك لما استطاعت ان تفرض الاجندات او الجداول او الخيارات او البدائل او لما استطاعت التحكم في الزمن و الية التفاوض و شكلها و مضامينها و المشاركين فيها و سقوفها و تكتيكها و مواعيدها .. الخ .

ثالثا : استخدام الية رجل القش و حرف الانظار و تغيير الاتجاهات و الاهتمامات ، بحيث ان يكون هناك ربط منطقي بين امور لا رابط بينها و خلط الاوراق بطريقة مفاجأة و مربكة .

رابعا : التفاوض الذي تفرضه اسرائيل هو التفاوض حول ترسيخ الواقع المفروض بالقوة لا واقع القانون و الحق و لهذا عادة ما تعمد اسرائيل الى سرعة تغيير واقع حتى تتغير الاولويات و الاهتمامات و خير دليل على ذلك تعميق الاستيطان و تكرار الحروب و تكرار الخطط و تغييرها .

بأختصار التفاوض مع اسرائيل صعب و مرير و غير مضمون ابدا ، فليس هناك من مرجعيات حاكمة ولا التزام ثابت ولا معاهدة مقدسة كل شيء قابل للتفجير و التغيير في كل لحظة ، و الذريعة جاهزة دائما و اذا لم تعجبك ذريعة ما فهناك ذرائع بلا حدود .

ما النصيحة اذا !

كيف يمكن التفاوض مع اسرائيل لالزامها و اجبارها على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه !

و الجواب على ذلك بسيط.