الأحد: 10/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تاريخ وانجازات الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس

نشر بتاريخ: 19/08/2024 ( آخر تحديث: 19/08/2024 الساعة: 13:29 )

الكاتب: كريستين حنا نصر



يعود تاريخ الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الى العام 1924م، حيث كانت بيعة أهالي فلسطين للمغفور له الشريف الحسين بن علي بالوصاية نظراً لمكانته وزعامته السياسية والدينية وباعتباره خليفة وقائداً للأمة، وقد تولى المغفور له الملك( الأمير انذاك) عبد الله الأول مهام متابعة الاعمار والرعاية بتكليف من والده الشريف الحسين بن علي، وبدأت الرعاية منذ فترة مبكرة ففي عـام 1922م وبتوجيه من الشريف الحسين تم تأسـيس المجلـس الإسـلامي الأعلـى (وهـو منظمـة إسـلامية هـدفها الحفـاظ علـى تـراث مدينـة القدس والعناية به)، حيث خلص المجلس بعد مسح فني أجراه إلى حاجة المسجد الاقصى للصيانة والترميم فكان اعمار عام 1924م بتبرع من الشريف الحسين بمبلغ حوالي ( 25 الف جنيه ذهبي)، وهذا الاهتمام مرتبط أيضاً برعاية الشريف الحسين للمقدسات الاسلامية في الحجاز آنذاك .
واستمر الهاشميون برعايتهم للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس حتى اليوم، وحمل هذه الأمانة العظيمة مرتبط بتاريخ من التضحيات الأردنية قيادة هاشمية وشعباً تجاه القضية الفلسطينية والقدس، حيث تمسك الشريف الحسين اثناء مراسلاته مع مكماهون ( 1915-1916م) بالدولة أو المملكة العربية المستقلة التي سعى لتوحيدها تحت قيادته بما فيها فلسطين، ولاحقاً رفضه لكل ما جاء في وعد بلفور عام 1917م، وبقي الشريف الحسين على ثباته في الدفاع عن فلسطين ليتعرض نتيجة لموقفه القومي المخلص للنفي الى قبرص ما بين عامي( 1925-1931م) وبقي فيها حتى وفاته ليدفن في القدس، وعلى خطاه كان دور الملك عبد الله الأول في الدفاع عن فلسطين والقدس، ففي خطاب جلالته بمناسبة الاحتفال باستقلال المملكة الاردنية عام 1946م جاء ما نصه:" إننا نعاهد الله على الجهـاد المقدس دفا ًعاً عن فلسطين العربية، والعمل على أن تظل عربية"، فكان الدور البطولي للجيش العربي الأردني في حروب عام 1948م والتي استطاع فيها الحفاظ على الضفة الغربية والقدس، وحمايتها من الوقوع تحت الاحتلال الاسرائيلي حتى عام 1967م، ولتوثيق العلاقة بين الاردن وفلسطين وتقوية جبهة حمايتها كانت وحدة الضفتين عام 1950م، ولأن القدس في قلب وضمير جلالته كان استشهاده على ابواب المسجد الاقصى عام 1951م، وعلى نهجه كانت جهود المغفور لهم الملك طلال بن عبد الله والملك الحسين بن طلال الذي أعلن عام 1954م عن إصدار قانون رقم(32) باسم قانون اعمار المسجد الاقصى المبارك والذي تشكلت بموجبه لجنة اعمار المسجد الاقصى، ولاحقاً على إثر حريق المسجد الاقصى المبارك بتاريخ 21 اب عام 1969م ، أمر جلالته باعادة الاعمار بما في ذلك إعادة بناء منبر صلاح الدين الذي دمر أيضاً في الحريق، وعلى الصعيد الدولي وبتوجيهات من جلالته للدبلوماسية الاردنية بالعمل الدؤوب في المحافل الدولية ومنظمات الامم المتحدة، فقد صدرت نتيجة للجهد الاردني عن منظمة اليونسكو عدة قرارات ومنها قرار عام 1981م القاضي بتسجيل القدس في قائمة التراث العالمي، وقرار عام 1982م القاضي أيضاً بتسجيل القدس في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، ولاحقاً ولاجل الاعمارات في الاقصى فقد تبرع جلالته بمبلغ مالي قدره ( 8.249.000 دينار اردني)، لتتولى شركة ( مايفان الايرلندية) عام 1992م عمليات الاعمار، وقد شملت تكسية قبة الصخرة بالواح النحاس وتركيب أجهزة الانذار والاطفاء، وعلى الرغم من اعلان جلالته عام 1988م قرار فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية، الا أنه تمّ استثناء الاوقاف والمقدسات في القدس من هذا القرار، هذه الوصاية التي أكدتها معاهدة السلام عام 1994م، حيث أفردت مادة في معاهدة السلام، حيث جاء في البند 3 من المادة 9 منها ما نصه: ((تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن))، وما يزال صاحب الوصاية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله يواصل رعاية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الى جانب الدور السياسي والدبلوماسي والانساني المستمر في دعم الشعب الفلسطيني في كل الظروف، وقد تمّ تأكيد الوصاية الهاشمية التاريخية باتفاقية الوصاية عام 2013م بين صاحب الوصاية الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
واليوم تتواصل العناية والرعاية الهاشمية بالمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، حيث تتولى المهمة مؤسسات رسمية منها وزارة الاوقاف الاردنية من خلال مديرية اوقاف القدس التابعة لها والتي خصص لها هذا العام موازنة قدرها 17 مليون دينار الى جانب التبرعات الهاشمية المتواصلة، وهناك أيضاً اكثر من الف موظف تابع للاوقاف وأكثر من 50 مدرسة تشرف عليها الاوقاف، اضافة الى المحاكم الشرعية التابعة لدائرة قاضي القضاة، ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية في القدس، وهناك مؤسسات رسمية اردنية فاعلة مثل اللجنة الملكية لشؤون القدس تأسست عام 1971م ولها دور توعوي اعلامي في رصد اخبار القدس ونشر الثقافة حولها، والصندوق الهاشمي لاعمار المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة تاسست عام 2007م وهي الذراع المالي للإعمارات، وهناك أيضا اكثر من 20 جمعية أهلية في الاردن تعمل لاجل القدس ولجان حول فلسطين والقدس في النقابات بما فيها نقابة الأطباء والمهندسين والمحامين، ولجنة فلسطين في كل من مجلس النواب ومجلس الأعيان أيضاً.
وبخصوص الاعمارت الهاشمية في عهد الملك عبد الله الثاني فهي مستمرة وتشمل الكثير من المحطات والمبادرات، ومن ذلك اعادة منبر صلاح الدين الى مكانه في المسجد الاقصى المبارك عام 2007م، وفي عام 2012م أمر جلالته بإنشاء كرسي الإمام الغزالي في القدس "جامعة القدس" وآخر في الأردن، وفي عام 2016م مبادرة اعمار القبر المقدس في كنيسة القيامة، وفي عام 2017م مبادرة ترميم كنيسة الصعود على جبل الزيتون، وقد تبرع جلالته بقيمة جائزة تمبلتون التي تسلمها عام 2018م نظير جهوده ودوره العالمي في ثقافة السلام، في أعمال اعادة اعمار المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، إضافة إلى الجهود الإغاثية والإنسانية ومبادرات إرساء الوئام بين أتباع المذاهب والأديان، وهي رسالة هاشمية عالمية تؤكد على اهمية دورهم في حفظ الوضع التاريخي القائم في مدينة القدس، وفي عام 2022م وقع جلالته على إنشاء وقفية المصطفى لختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى المبارك، وتتواصل تبرعات جلالته وتوجيهاته بالعناية بالمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس.
ان جهد الملوك الهاشميين على مدى الوصاية الهاشمية تجاه المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، يمثل قوة ودعم واسناد عالمية للشعب الفلسطيني والأمة الاسلامية، وذلك لحفاظها على هذا الإرث الاسلامي المقدس المتصل بحادثة اسراء الرسول محمد عليه السلام من مكة المكرمة إلى القدس والمعراج منها، كما أن الرعاية الهاشمية ساهمت في الحفاظ على المدينة المقدسة وعززت من السياحة لها من كل العالم،المسلمين للمقدسات الاسلامية والمسيحيين للمقدسات المسيحية .