الكاتب: تحسين يقين
- لا بد منها دوما!
- الرواية؟
- ومن غيرها!
بالرغم مما تعيشه فلسطين من محنة الآن، في سياق سلسلة محن مستمرة من قرن، إلا أننا دوما، ومعا نجترح الإبداع، والذي كان وسيكون دوما شرط حياة الشعوب والأمم.
ملتقى للرواية العربية، يعني البعد القومي إنسانيا وإبداعيا. ولنا دوما فقط تذكر وجودنا الفاعل حضاريا في حواضر فلسطين، منذ الحضارات القديمة الأولى عالميا، حتى الآن، مرورا بعصور مزدهرة، تركت المدارس بحجارتها القديمة دليلا على هذا الوجود.
والرواية، والتي إن تعمقنا فيها، فسنجد أنه حتى في حضارات فلسطين والشام القديمة، ظهرت سرديات قص، يمكن أن تتآلف لتشكل سرديات ليست بعيدة عن جوهر الرواية، وليس الحديث عن فن المقامة العربية وبديع الزمان الهمذاني، بل ما قبله؛ فلعل كتاب المكتبة الفلسطينية الذي صدر قبل بضعة أشهر، ونقصد به "التراث اللغوي الكنعاني" لنجد في ثنيات نقوشه بعض السرد، فلا يمكن لأي أمة حضارية ألا تكون لها سردياتها، ولعل الجنس الأدبي الرواية، هو منجز عالمي وليس أوروبيا فقط.
ونحن في سياق الاحتفاء بنجاح وزارة الثقافة بعقد ملتقى فلسطين للرواية العربية السابع، ربما من المهم التذكير بأمر ريادة شعبنا في الرواية العربية، فالمتتبع لبدايات نشوء الرواية بالمصطلح الحديث، سيجد أسماء فلسطينية مطلع القرن العشرين، حضرت مع أسماء من دول عربية رائدة كمصر، ولم يكن ذلك غريبا كون حواضر فلسطين كانت في جوهر النهضة العربية الحديثة.
فجميل فعلا هذا الوعي من قبل وزارة الثقافة، وجميل هو الاستمرار، في ظل وجود بضع ملتقيات معدودة للرواية العربية لم تستمر جميعها، والأمل معقود على فلسطين الثقافة كمؤسسة رسمية والمثقفين والأدباء والروائيين الرواة بالاستمرار بل والإبداع. لقد كانت مشاركة قادة المؤسسة الثقافية في فعاليات الملتقى دليلا على الاهتمام ما حفّز مشاركة المهتمين والمهتمات.
الذاكرة والهوية، محوران عابران، لأي ملتقى روائي، يندرج تحتهما محاور الزمان والمكان، كذلك سيكون من المهم دوما الاهتمام بالأسلوب الروائي شكلا رافعا بالمضامين، عبر الاهتمام في الملتقيات القادمة بتقنيات السرد.
من الطبيعي هذا العام، عام الحرب على قطاع غزة بشكل خاص، وعلى الضفة الغربية بشكل عام، أن ينتبه القائمون لضرورة جعل سردية حرب الإبادة، وهذا مان عبر جلسة الافتتاح، وعدة جلسات أخرى، كان من بينها شهادات الكتاب، والتي تندرج في جهد وزارة الثقافة خلال أشهر الحرب بتوثيق شهادات مبدعي غزة من خلفيات أدبية وفنية عبر كتاب "الكتابة خلف الخطوط: يوميات الحرب على غزة"، الذي وقع بأكثر من جزء.
وفي هذا السياق أستلهم من الكاتب والشاعر الجليليّ سامي مهنا، ما قاله عن وزارة الثقافة، بأنها وزارة المثقفين والثقافة الفلسطينية في كافة أماكن شعبنا، في فلسطين التاريخية وفي الشتات، ولعل ذلك هو ما يميز مشاركات الكتاب والأدباء الفلسطينيين، من كل مكان ممكن وجاهيا أو عن بعد.
كما أن البعد القومي حاضر كون الملتقى أصلا هو للرواية العربية، ما منحنا فرصة عبر سبع سنوات على للتعرف بعدد من الروائيين والروائيات، والذين واللواتي حضرت فلسطين في أعمالهم الروائية.
جميل استمرار الملتقى، وهو منجز لنا جميعا، ينبغي تعميقه ودعمه، من خلال الاحتفاء بروائيين فلسطينيين يمكن أن تنظم حولهم ندوة سنويا في الملتقى، وتنظيم نشاطات تتعلق بالرواية، مثل عقد ندوة فصلية أو نصف سنوية عن موضوعات وروائيين فلسطينيين وعربا، وروائيين من العالم.
مهم مثلا، عقد لقاءات يتم العمل على توثيقها ونشرها وتوزيعها في أيام الملتقيات القادمة، تتعلق بتاريخ الرواية، حتى يدرك الروائيون الفلسطينيون خاصة من الفئة الشابة، تاريخ الرواية، في العالم، عبر اختيارات لأهم الأسماء الممثلة للرواية في أوروبا، ثم الرواية العربية، والتركيز على الرواية الفلسطينية؛ فمعرفة الجهود والأساليب والمضامين الإنسانية أمر مهم لمن يدخل هذا المجال لأجل البدء من حيث انتهى الآخرون.
سررت جدا برؤية روائيين وروائيات من أعمار مختلفة يلتقون ويتناقشون، ما يعني الارتقاء بالرواية الفلسطينية، فمن أدوار الملتقى تحفيز الكتابة والارتقاء به، وهذا دور استراتيجي للملتقى.
وبالرغم من نجاح الندوات التي تعتمد الحوار، فإننا نطمح أن يتم توثيق مداخلات المشاركين، لتكون مرجعا للمهتمين داخل الملتقى، بحيث تكون موجودة من اليوم الأول، كذلك يمكن توثيق الجلسات، كونها تضيف الى ما تمت كتابته. إن تدوين أدبيات الملتقى تساهم في بناء التراكم المعرفي، بحيث يستطيع من سيحمل راية الملتقى أن يتابع التخطيط بناء على ما تم، لتعميقه من جهة، كون هذه المحاور ستستمر طويلا، لذلك سيكون من المهم اختيار الزوايا والمنظور والمنطلق.
حضرت غزة فلسطين في السرد وألم الإبادة، والكتابة في زمن الحرب، والكتابة وأثرها على الخطاب الثقافي زمن الحرب والعدوان. كما حضرت شهادات كتاب غزة وكاتباتها. كما سررنا بالتعاون مع اتحاد الكتاب في ندوتي غزة وكتابة الميدان إبداعيا، وغزة والسرد في نابلس ورام الله. كانت الندوتان ثمرة طيبة للتعاون تشجعان على الاستمرارية وعدم الاقتصار على فترة محددة، لأنه العلاقة بين وزارة الثقافة واتحاد الكتابة علاقة وثيقة بل عضوية.
كما سررنا بإدماج الفيلم، كون السينما دراما وتوثيقا هي جزء أساسي من الرواية العربية، فقد كان فيلم جنين التوثيقي للمخرج محمد البكري الذي أنتج عن اجتياح جنين في الصيف السابق، والذي اعتمد على فيلم جنين الذي أنتج عام 2022 إثر اجتياح جنين ومخيمها بشكل خاص، أثر إبداعي، قطفنا ثماره من خلال حوارية الكتاب والمخرج في مركز خليل السكاكيني الثقافي برام الله، والذي أدارته الكاتبة والسينمائية ليلى عباس.
لقد سررت من خلال ما رشح من الملتقى أن هناك اهتماما بإدماج الفن التشكيلي ضمن مسارات ملتقى فلسطين للرواية العربية، كون أن هناك علاقة تربط أركان الفنون والأدب.
ولعل ما أسعدنا ككتاب ونقاد ما أبدته الوزارة من اهتمام بتكوين جمعية النقاد، كرافعة من روافع التطوير الأدبي والفني.
وأخيرا، فإن الملتقى السنوي هو تتويج لجهود تستمر عاما، حيث يمكن عقد عدة نشاطات يتم اقتراحها من المهتمين، والأكاديميين، بالتعاون مع مؤسسات ثقافية في المدن الفلسطينية، كذلك عبر تقنية التواصل عن بعد من خلال تقنية زوم وغيرها.
ولعل ندوة الأدب والسرديات الجديدة، تكون باكورة هذه الندوات كونها سترصد وتحفّز في الوقت نفسه اتجاهات القص والروايات في فلسطين والعالم العربي.
ولنا في الرواية والرواة، شكلا ومضمونا، طريقا نحو التحرر المنشود باتجاه وطن حر تزدهر فيه الحياة الإبداعية.